قال رحمه الله : (
وتفسخ بالعذر كالمزارعة ) بأن يكون العامل سارقا ، أو مريضا لا يقدر على العمل لأنها في معنى الإجارة وقد بينا أنها تفسخ بالأعذار ، وكونه سارقا عذر ظاهر لأنه يسرق الثمر والسعف ويلحق الآخر الضرر ولو أراد العامل ترك العمل في الصحيح وقيل : يمكن ، وقيل لا يمكن بالاتفاق قال : أصله أن المزارعة لازمة من جهة من لا بذر منه غير لازمة من جهة رب البذر ، ثم مسائله على ثلاثة أقسام : قسم في الموت ، وقسم في فسخ العقد من قبله بالدين ، وقسم في انقضاء المدة ، وإذا أراد رب الأرض أن يفسخ العقد وليس من قبله البذر قبل العمل ليس له ذلك إلا أن يكون عليه دين لا وفاء إلا منه فإن باعها بالدين لم يكن عليه من نفقة العامل شيء في حفر الأنهار ، وإصلاحها لأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد ، أو شبهه ولم يوجد ذلك ومتى كان البذر من قبله بأن يكون مستأجرا للأرض فإن نبت الزرع لا يباع حتى يستحصد لكن القاضي يخرجه من الحبس ولا يحول بينه وبين الغرماء لأن في البيع إبطال حق العامل .
وفي ترك البيع تأخير حق رب الدين ، والتأخير أهون من الإبطال فلو زرع ولم ينبت فقد اختلفوا فيه قيل : لصاحب الأرض بيعها بالدين لأنه ليس للزرع في الأرض حق قائم لأن إلقاء البذر استهلاك وقيل ليس له البيع لأن إلقاء البذر من الاستنماء وليس باستهلاك
[ ص: 189 ] وأما القسم الثاني وهو ما لو
دفعها إليه ثلاث سنين ، ثم مات رب الأرض في الأولى قبل الحصاد يبقى الزرع حتى يستحصد استحسانا فإذا حصد ينفسخ في السنتين الباقيتين ولو مات قبل الزرع بطلت المزارعة ، وإن
مات بعد الزراعة قبل النبات اختلفوا فيه على نحو ما ذكرنا في الدين ولو
مات المزارع والزرع بقل فقد قدمنا بيانه وهذه فروع ذكرناها تتميما للفائدة ولو
دفع أرضا بيضاء على أن يغرس فيها نخلا وشجرا على أن ما خرج من شجر ، أو نخل فهو بينهما نصفين وعلى أن الأرض بينهما نصفين فهذا فاسد فإن فعل فما خرج من الأرض فجميعه لرب الأرض وللغارس أجر مثل عمله دفع أرضا على أن يغرسها المدفوع إليه لنفسه ما بدا له ويزرعها من عنده ما بدا له على أن الخارج نصفان بينهما وللعامل على رب الأرض مائة درهم فهو فاسد ، والخارج للغارس ولرب الأرض أجر أرضه ولو كان
البذر والغراس من رب الأرض على أن يغرس ويبذرها بهما والخارج نصفان بينهما ولرب الأرض على العامل مائة درهم فهو فاسد ، والخارج لرب الأرض وللعامل أجر مثله وتوجيهه يطلب من المحيط .
واشتراط العمل في المعاملة والمزارعة على أقسام أحدها أن يشترطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي أو شرطا بعضه على الدافع وسكتا عن الباقي ، أو شرطا بعضه على الدافع وبعضه على العامل ، وكل قسم على قسمين : الأول لو شرطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي فإن كان المسكوت عنه لا يخرج من ذلك شيء إلا به ، أو يخرج شيء لا يرغب في مثله فالمعاملة فاسدة والثاني لو
شرط على نفسه السقي والحفظ لا غير فالمزارعة فاسدة إلا إذا علم أن السقي لا يزيد فيه ، الثالث : لو
شرط السقي على رب النخل والحفظ والتلقيح على العامل لم يجز والمزارعة كالمعاملة في هذه الأحكام إذا كان البذر من رب الأرض وتوجيهه يطلب من المحيط ، وأما
المزارعة إذا شرط فيها المعاملة فالمعاملة متى شرطت في المزارعة بأن
دفع أرضا فيها نخل على أن يزرعها من بذره بالنصف وعلى أن يعمل في النخل ويسقيه ويلحقه بالنصف فإنه ينظر إن كان البذر من قبل العامل فسدت لأنهما عقدان اشترط أحدهما في الآخر ، وإن كان البذر من قبل رب الأرض جاز عقد واحد لأنه استأجره ليعمل في أرضه ونخله وتوجيهه يطلب من المحيط .
وأما لو
دفع المزارع ، أو العامل الأرض ، أو النخل لغيره مزارعة أو معاملة فهي على وجهين : إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض ، وفي هذا لا يملك أن يدفع الأرض مزارعة أو معاملة إلا أن يأذن له رب البذر في ذلك ، أو يقول له : اعمل برأيك ولكن له أن يستأجر أجيرا من ماله لإقامة عمل المزارعة ، وإن قال رب البذر : اعمل لله تعالى برأيك جاز له أن يدفعها لغيره مزارعة ، وإذا لم يأذن له ولم يقل اعمل برأيك فدفعها لغيره مزارعة فصار مخالفا غاصبا وبطلت المزارعة بينه وبين رب الأرض ولرب الأرض أن يضمن أيهما شاء أجرة الأرض فإذا ضمن الأول لم يرجع على صاحبه ، وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه مغرور من جهته كذا في الفتاوى الكبرى ، وأما لو أذن له رب الأرض ، أو قال له : اعمل برأيك فدفعها جاز ، وإن كان
رب الأرض شرط للمزارع النصف فدفعها للثاني بالنصف فما خرج منها فنصفه لرب الأرض ونصفه للمزارع الثاني وإن شرط المزارع الأول للثاني الربع وللأول الربع ، وحكمهما حكم المضاربة ، وفي فتاوى الخلاصة ، وإن كان البذر من قبل العامل له أن يدفع إلى آخر مزارعة ، وإن لم يأذن له رب الأرض أصلا ولو دفع صار الزارع الأول مؤجرا ما إذا استأجره إجارة فاسدة صار الأول مستأجرا للمزارع الثاني ببعض الخارج ويعمل في الأرض ا هـ .