وقيد في المجتبى الأعلم بأن يكون مجتنبا للفواحش الظاهرة ، وإن لم يكن ورعا وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب ، وأما الإمام الراتب فهو أحق من غيره ، وإن كان غيره أفقه منه وقيد الشارح وجماعة تقديم الأعلم بأن يكون حافظا من القرآن قدر ما تقوم به سنة القراءة وقيده المصنف في الكافي بأن يكون حافظا قدر ما تجوز به الصلاة ، وينبغي أن يكون المختار قولا ثالثا وهو أن يكون حافظا للقدر المفروض والواجب ولم أره منقولا لكن القواعد لا تأباه ; لأن الواجب مقتضاه الإثم بالترك ويورث النقصان في الصلاة .
( قوله ثم الأقرأ ) محتمل لشيئين أحدهما أن يكون المراد به أحفظهم للقرآن وهو المتبادر ، الثاني أحسنهم تلاوة للقرآن باعتبار تجويد قراءته وترتيلها وقد اقتصر العلامة تلميذ المحقق ابن الهمام في شرح زاد الفقير عليه ( قوله ثم الأورع ) أي الأكثر اجتنابا للشبهات والفرق بين الورع والتقوى أن الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات ولم يذكر الورع في الحديث السابق وإنما ذكر فيه بعد القراءة الهجرة ; لأنها كانت واجبة في ابتداء الإسلام قبل الفتح فلما انتسخت بعده أقمنا الورع مقامها واستثنى في معراج الدراية من نسخ وجوبها بعده ما إذا أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام لكن الذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها .
[ ص: 369 ] وأشار المصنف إلى أنهما لو استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وقد صرح به في فتح القدير ثم اقتصر المصنف على هذه الأوصاف الأربعة أعني العلم والقراءة والورع والسن
وقد ذكروا أوصافا أخر ففي المحيط فإن استويا في السن قالوا أحسنهما خلقا أولى ، فإن استويا فأحسنهما وجها أولى وفسر الشمني الخلق بالإلف بين الناس وفسر المصنف في الكافي أحسنهم وجها بأكثرهم صلاة بالليل للحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=37229من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار } ، وإن كان ضعيفا عند المحدثين ، وذكر في البدائع أنه لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره ; لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه وقدم في فتح القدير الحسب على صباحة الوجه ، فإن استووا فأشرفهم نسبا وزاد الإمام الإسبيجابي على ذلك أوصافا ثلاثة أخرى وهي ، فإن استووا فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا ، فإن استووا فأكثرهم مالا أولى حتى لا يطلع على الناس ، فإن استووا في ذلك فأكثرهم جاها أولى وزاد في المعراج ثاني عشر وهو أنظفهم ثوبا واختلف في المسافر مع المقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وينبغي ترجيحه كما لا يخفى ، وفي الخلاصة ، فإن اجتمعت هذه الخصال في رجلين فإنه يقرع بينهما ، أو الخيار إلى القوم وأشار المصنف بالأحقية إلى أن القوم لو قدموا غير الأقرأ مع وجوده فإنهم قد أساءوا ولكن لا يأثمون كما في التجنيس وغيره وهذا كله فيما إذا لم يكونا في بيت شخص أما إذا كانا في بيت إنسان فإنه يكره أن يؤم ويؤذن ، وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فهو أولى ; لأن ولايتهما عامة كذا ذكر الإسبيجابي ويشهد له حديث الصحيحين السابق
وفي السراج الوهاج ويقدم الوالي على الجميع وعلى إمام المسجد وصاحب البيت ، والمستأجر أولى من المالك ; لأنه أحق بمنافعه وكذا المستعير أولى من المعير ا هـ .
وفي تقديم المستعير نظر لأن للمعير أن يرجع أي وقت شاء بخلاف المؤجر ، وفي الخلاصة وغيرها رجل أم قوما وهم له كارهون إن كانت الكراهية لفساد فيه أو ; لأنهم أحق بالإمامة يكره له ذلك ، وإن كان هو أحق بالإمامة لا يكره ذلك . ا هـ .
[ ص: 368 ] ( قوله لحديث الصحيحين ) أي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وهو مخالف لما في تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر فإنه لم يعزه إلا nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم والأربعة ، وكذا في فتح القدير قال أخرجه الجماعة إلا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري واللفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم ( قوله وأجاب عنه في الهداية إلخ ) قال في فتح القدير نظر فيه برواية nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم عوض فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها وإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا ولو صح فإنما مفاده أن الأقرأ أعلم بأحكام الكتاب فصار الحاصل يؤم القوم أقرؤهم أي أعلمهم بالقراءة وأحكام الكتاب فإنهما متلازمان على ما ادعى وإن كانوا في القراءة والعلم بأحكام الكتاب سواء فأعلمهم بالسنة ، وهذا أولا يقتضي في رجلين أحدهما متبحر في مسائل الصلاة والآخر متبحر في القراءة وسائر العلوم ومنها أحكام الكتاب أن التقدمة للثاني لكن المصرح في الفروع عكسه بعد إحسان القدر المسنون ، والتعليل الذي ذكره المصنف يفيده حيث قال لأن العلم يحتاج في سائر الأركان والقراءة لركن واحد ، وثانيا يكون النص ساكتا عن الحال بين من انفرد بالعلم عن الأقرئية بعد إحسان المسنون ومن انفرد بالأقرئية عن العلم لا كما ظن المصنف فإنه لم يقدم الأعلم مطلقا في الحديث على ذلك التقدير بل من اجتمع فيه الأقرئية والأعلمية اللهم إلا أن يدعي أنه أراد بلفظ الأقرأ الأعلم فقط أي الذي ليس بأقرأ مجازا فيكون خلاف الظاهر بل الظاهر أنه أراد الأقرأ غير أن الأقرأ يكون أعلم باتفاق الحال إذ ذاك ، فأما المنفرد بالأقرئية والمنفرد بالأعلمية فلم يتناولهما النص فلا يجوز الاستدلال به على الحال بينهما كما فعل المصنف ( قوله ولم أره منقولا ) قال في النهر أقول : ذكر في الدراية معزيا إلى المبسوط الأعلم أولى إذا قدر على القراءة قدر ما يحتاج إليه ، وهذا كما ترى صريح في اشتراط كونه حافظا لمقدار الواجب أيضا لظهور أنه يحتاج إليه في تكميل صلاته بل حفظ المسنون يحتاج إليه أيضا ا هـ .
أقول : باعترافه أن المسنون يحتاج إليه أيضا خرج عما الكلام فيه ورجع إلى ما نقله المؤلف [ ص: 369 ] عن الشارح وغيره ( قوله فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا ) لينظر ما المراد بالعضو ، وقد قيل في تفسيره بما لا ينبغي أن يذكر ( قوله لأن للمعير أن يرجع إلخ ) قال في النهر هذا لا أثر له يظهر وسيأتي أن العارية تمليك المنافع كالإجارة لكن بلا عوض بخلافها وإذا رجع خرج عن موضوع المسألة .