( فصل ) هذا الفصل بمنزلة المتفرقة المذكورة في أواخر الكتب فلذا أخره استدراكا لما فاته فيما سبق قال رحمه الله (
رهن عصيرا قيمته عشرة بعشرة فتخمر ، ثم تخلل وهو يساوي عشرة فهو رهن بعشرة ) يعني إذا رهن عند مسلم عصيرا إلى آخرها قالوا ما كان محلا للبيع بقاء يكون محلا للرهن بقاء كما أن ما يكون محلا للبيع ابتداء يكون محلا للرهن ابتداء والخمر محل للبيع بقاء ، وإن لم يكن محلا له ابتداء أقول : لقائل أن يقول لو كان مدار مسألتنا المذكورة على هذا القدر من التعليل لما ظهر فائدة قوله ، ثم صار خلا في وضع مسألة بل كان يكفي أن يقال ومن رهن عصيرا بعشرة فتخمر فهو رهن بعشرة لكفاية التعليل المذكور بعينه في إثبات هذا المعنى العام فتأمل قال صاحب العناية ولقائل أن يقول ما يرجع إلى المحل فالابتداء والبقاء فيه سواء فما بال هذا تخلف عن ذلك الأصل ، وقال ويمكن أن يجاب عنه بأنه كذلك فيما يكون المحل باقيا وهاهنا يتبدل المحل حكما بتبدل الوصف فكذلك تخلف عن ذلك الأصل ا هـ .
أقول : قوله : ثم تخلل وهي تساوي عشرة يشير إلى أن المعتبر فيه في الزيادة والنقصان القيمة ، وليس كذلك بل المعتبر القدر ; لأن العصير والخل من المقدرات ; لأنه إما مكيل أو موزون وفيها نقصان القيمة لا يوجب سقوط شيء من ذلك الدين كما مر في انكسار القلب وإنما يوجب الخيار على ما ذكرنا ; لأن الغاية فيه مجرد الوصف وفوات كل شيء من الوصف في المكيل والموزون لا يوجب سقوط شيء من الدين بإجماع بين أصحابنا فيكون الحكم فيه أنه إن نقص شيء من القدر سقط بقدره شيء من الدين وإلا فلا وأشار بقوله ، ثم تخلل إلى أن المرهون عنده مسلم والراهن فلو كان ذميا قال في المبسوط
رهن ذمي من ذمي خمرا فصارت خلا لا ينقص من قيمته بقدره ويبقى رهنا ; لأن بالتغيير من وصف المرارة إلى الحموضة نقصت المالية عندهم ومقومها مع بقاء العين بحالها وبتبدل الصفة لا يبطل الرهن كما لو كان الرهن قلبا فانكسر وبقي الوزن على حاله .
ثم عندهما يتخير الراهن إن شاء افتكه بجميع الدين وأخذه ، وإن شاء ضمنه خمرا مثل خمره فيصير الخل ملكا للمرتهن وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله تعالى إن شاء افتكه بجميع الدين ، وإن شاء جعله بالدين كما في مسألة القلب إذا انكسر كما مر بيانه وقيدنا بقولنا رهن مسلم عصيرا ; لأن
رهن الكافر الخمر عند مسلم أو
رهن المسلم الخمر عند كافر باطل قال ارتهن المسلم من كافر خمرا فصار خلا في الرهن باطل ويكون الخل أمانة في يده للراهن وهو بالخيار إن شاء أخذه قضاء دينه ، وإن شاء يدع الخل بدينه إن كانت قيمة الخل يوم الرهن كالدين ; لأن المسلم يجوز أن يضمن الخمر بالرهن ; لأنه سبب ضمان والمضمون متى نصب في يد الضمين يخير من له الضمان كما لو غصب المسلم خمرا من ذمي فصارت خلا في يده يخير الذمي ; لأن الخمر عند
أهل الذمة يصلح لمنافع ما لا يصلح له الخل ولا وجه فصار الخمر كالهالك من وجه ، وليس له أن يضمن المرتهن خمرا مثل خمره ; لأن المسلم منهي عن تمليك الخمر ، ولا وجه أن يترك الخل عليه ويضمن النقصان ; لأنه يؤدي إلى الربا . والأوجه أن يأخذ الخل ويضمن الدين كله ; لأنه يتضرر به فقلنا بأنه يجعله بالدين ليدفع الضرر عنه ، وليس فيه ضرر على المرتهن فكذا هذا ، فإذا وجبت قيمة الخمر للراهن على المرتهن فله عليه مثل ذلك فيلتقيان قصاصا .
ولو ارتهن الكافر خمرا من مسلم لا يجوز ويكون أمانة في يد المرتهن ; لأن الخمر لا يصير مضمونا على الكافر المسلم ، وإن قبضها بجهة الضمان كما في الغصب
[ ص: 321 ] والإتلاف
ارتهن مسلم من مسلم عصيرا فصار خمرا فللمرتهن تخليلها وتكون رهنا ويبطل من الدين بحساب ما نقص يعني من الكيل والوزن بقذف الزبد ; لأن من التخليل إحياء حق المرتهن وإصلاح الفاسد فله ذلك وفي إبقاء العقد بعد التخمير فائدة لجواز التخليل فيبقى كالعصير إذا تخمر قبل القبض يبقى البيع فكذا هذا والدين يسقط بانتقاص الرهن ; لأنه احتبس عنده بعض الرهن ولا ينقص بانتقاص القيمة كما إذا تغير السعر وقيدنا بذكر العصير في المسلم قال : وإن كان الراهن كافرا يأخذ الخمر والدين عليه ، وليس للمرتهن أن يخللها ، فإن خللها ضمن قيمتها يوم خلل ورجع بدينه بخلاف ما لو كان الراهن مسلما فخللها لم يضمن والفرق أن هناك لا ضرر على الراهن في إبقاء عقد الرهن إلى ما بعد التخمير بل له فيه منفعة ; لأن ماله يصير متقوما بالتخليل ، ولم يصر المرتهن متلفا لما له بل إضرار بالراهن ; لأن
لأهل الذمة رغائب في الخمر ما ليس مثلها في العصير وهو لم يرض بكون الخمر رهنا فلو بقينا عقد الرهن بعد تغيير ملكه في حقه يؤدي إلى الضرر به ; لأن الخمر بالعصير جنسان مختلفان في حق
أهل الذمة وهو لم يعقد الرهن على الخمر وإنما عقد على العصير فلا يبقى العقد فيكون للراهن أخذ الخمر من المرتهن .
فإن خللها يضمن قيمتها ; لأنه أتلف الخمر بالتخليل على الذمي لما بينا ، والله أعلم .