البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال رحمه الله ( ولأبي المعتوه القود والصلح لا العفو بقتل وليه ) يعني إذا قتل رجل قريبا للمعتوه فلولي المعتوه استيفاء القصاص وله أن يصالح ; لأن له تمام الشفقة والرأفة وله ولاية على المعتوه فقام مقامه ; ولأن في الصلح منفعة المعتوه قال جمهور الشراح ، هذا إذا صالحا على مثل الدية أما إذا صالحا على أقل من الدية لم يجز ويجب كمال الدية ولنا فيه نظر ; لأن لفظ محمد في الجامع الصغير مطلق حيث جوز صلح أبي المعتوه وعن دم قريبه مطلقا ; لأنه قال وله أن يصالح من غير قيد بقدر الدية فينبغي أن يجوز الصلح على أقل من الدية عملا بإطلاقه ، وإنما جاز صلحه على المال ; لأنه أنفع للمعتوه من القصاص فإذا جاز استيفاء القصاص فالصلح أولى والنفع يحصل بالقليل والكثير .

ألا ترى أن الكرخي قال في مختصره وإذا وجب لرجل على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فصالح صاحب الحق من ذلك على مال ، فذلك جائز قليلا كان المال أو كثيرا كان ذلك دون دية النفس أو أرش الجراحة أو أكثر إلى هنا لفظ صاحب العناية أقول : نظره ساقط جدا ، فإن لأصحاب التخريج من المشايخ صرف إطلاق كلام المجتهد إلى التقييد إذا اقتضاه الفقه كما صرحوا به وله نظائر كثيرة في مسائل الفقه والله تعالى أعلم .

أما القتل فلأن القصاص شرع للتشفي ودرك الثأر ، وكل ذلك راجع إلى [ ص: 342 ] النفس بولايته ولاية على نفسه فيليه كالإنكاح بخلاف الأخ وأمثاله حيث لا يكون لهم استيفاء قصاص وجب للمعتوه ; لأن الأب لوفور شفقته جعل التشفي الحاصل للابن ; ولهذا يعد ضرر ولده ضرا على نفسه ، وأما العفو فلا يصح ; لأنه إبطال لحقه بلا عوض ولا مصلحة فلا يجوز ، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما بينا والوصي كالأب في جميع ما ذكرنا إلا في القتل ، فإنه لا يقتل ; لأن القتل من باب الولاية على النفس حتى لا يملك تزويجه ويدخل تحت ، هذا الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف إذا لم يسر القود في النفس وذكر في كتاب الصلح أن الوصي لا يملك الصلح في النفس ; لأنه فيها بمنزلة الاستيفاء ، وهو لا يملك الاستيفاء وجه المذكور هنا .

وهو المذكور في الجامع الصغير أن المقصود من الصلح المال والوصي يتولى التصرف فيه كما يتولى الأب بخلاف القصاص ; لأن القصد التشفي ، وهو مختص بالأب ولا يملك العفو ; لأن الأب لا يملكه في النفس ; لأن المقصود متحد ، وهو التشفي ، وفي الاستحسان يملكه ; لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال ; لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف فيه ، والقاضي بمنزلة الأب فيه في الصحيح ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه ، وهذا أولى والصبي كالمعتوه لما عرف في موضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية