قال رحمه الله ( ولو عالما بها لزمه الأرش كبيعه وتعليق عتقه بقتل فلان ورميه وشجه إن
[ ص: 423 ] فعل ذلك ) يعني لو
أعتق عبده عالما بالجناية صار مختارا للفداء بهذا العتق لأن الإعتاق يمنع من الدفع فالإقدام عليه اختيار فإذا أعتقه وهو يعلم بالجناية صار مختارا للفداء لما قلنا وهو المراد بقوله كبيعه يعني لو
باعه عالما بالجناية وعلى هذين الوجهين الهبة والتدبير والاستيلاد لأن كل واحد منهما يمنع من الدفع لزوال الملك والتمليك به بخلاف
الإقرار لغيره بالعبد الجاني على رواية الأصل لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه .
وليس فيه نقل الملك لأن الإقرار ليس بتمليك من جهة المقر وإنما إظهار الحق فيحتمل أن يكون صادقا بذلك فإذا لم يصر مختارا لا يلزمه الفداء وتندفع الخصومة عنه إن أقام بينة أنه للمقر له وإن لم تقم فيقال له إما أن تفديه أو تدفعه فإن فداه صار متطوعا بالفداء حتى لا يرجع به على المقر له إذا حضر وصدقه أنه له وإن دفعه كان المقر له بالخيار إذا حضر إن شاء أجاز دفعه وإن شاء فداه ولا فرق في هذا المعنى بين أن تكون الجناية في نفس أو في الأطراف لأن الكل موجب للفداء فلا يختلف وكذا لا فرق في البيع بين أن يكون بتا وبين أن يكون فيه خيار المشتري لأن الكل يزيل الملك بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ثم نقضه أو العرض على البيع لأن الملك لم يزل به ولا يقال المشتري بالخيار إذا باع بشرط الخيار له يصير مختارا للإجازة به فوجب هنا أن يكون مختارا للفداء لأنا نقول لو لم يكن المشتري مختارا للزم منه ملك غيره وهنا لا يلزم ولأنه يلزم في البيع بيع الغرر وهنا لا يلزم ولو
باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا للفداء حتى يسلمه لأن الملك لا يزول إلا به بخلاف الكتابة الفاسدة حيث يكون مختارا للفداء بها لأن
حكم الكتابة تعلق العتق بأداء المال وفك الحجر عن العبد في الحال وهو ثابت بنفس الكتابة ولا كذلك البيع الفاسد لأن حكمه وهو الملك لا يثبت إلا بالقبض ولو كانت الكتابة صحيحة ثم عجز كان له أن يدفعه بالجناية .
فإن كان ذلك قبل أن يقضي عليه بالقيمة وبعدها لا يدفعه لتقرر القيمة بالقضاء ولو باعه من المجني عليه كان مختارا للفداء بخلاف ما إذا وهبه منه لأن المستحق له أخذه بغير عوض وهو متحقق في الهبة دون البيع وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا لأن فعل المأمور به ينتقل إلى الآمر ولو ضربه فنقصه كان مختارا بعد العلم لأنه جنس جزء منه فإن أزال النقصان قبل القضاء بالقيمة كان له أن يدفعه بها لزوال المانع من الدفع قبل استقرار القيمة ويصير مختارا بالإجارة والرهن في رواية كتاب الإعتاق لأنهما لازمان فيكون محدثا فيه ما يعجز عن الدفع والأظهر أنه لا يصير مختارا بهما للفداء لأنه لم يعجزه عن الدفع لأن له أن يفسخ الإجارة والرهن لحق المجني لتعلق حقه بعين العبد سابقا على حقهما فيفسخان صونا لحقه عن البطلان وكذا لا يصير مختارا بالإذن في التجارة وإن ركبه دين لأن الإذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة إلا أن لمولى الجناية أن يمتنع من القبول لأن الدين لحقه من جهة المولى بعد ما تعلق به حقه فلزم المولى قيمته ولو
جنى جنايتين فعلم بأحدهما دون الأخرى وتصرف به تصرفا يصير به تصرفا مختارا للفداء فيما علم وفيما لا يعلم يلزمه حصته من قيمة العبد .
وقوله كبيعه وتعليق عتقه بقتل فلان أو رميه وشجه إن فعل ذلك أي يصير مختارا ببيعه بعد العلم بها وبتعليق عتقه بما ذكرنا من القتل والرمي والشج يصير مختارا كما يصير مختارا بالإعتاق بعد الإعلام بها وإنما يصير مختارا بالتعليق عند علمائنا الثلاثة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر لا يصير مختارا كما لا يصير مختارا بالإعتاق بعد الإعلام بها وإنما يصير مختارا بما ذكرنا لأن أوان تكلمه به لا جناية من العبد ولا علم للمولى بما سيوجد بعد وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا ألا ترى أنه لو
علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث بذلك في يمينه فكذا هذا ولنا أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز عنده فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية ألا ترى أن من
قال لامرأته إذا دخلت الدار فوالله لا أقربك أربعة أشهر يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول وكذا إن
قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا ومات من ذلك يصير فارا لأنه يصير مطلقا بعد الدخول ووجود المرض بخلاف ما أورده لأن غرضه طلاق أو عتاق يمكنه الامتناع عنه فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه ولأنه حرصه على مباشرة الشرط بتعليق أقوى الدواعي إلى القتل والظاهر أنه يفعله وهذا دلالة الاختيار هذا إذا علقه بجناية توجب المال
[ ص: 424 ] كالخطأ وشبه العمد وإن علقه بجناية توجب القصاص بأن
قال له إن ضربته بالسيف فأنت حر فلا يجب على المولى شيء بالاتفاق لأنه لا فرق بين العبد والحر في القصاص فلم يكن المولى مفوتا حق ولي الجناية بالعتق وبكل قتل تجب الكفارة فيه يصير المولى مختارا كالقتل بالمباشرة وإن لم تجب الكفارة فيه لا يصير مختارا وهو القتل تسببا كما لو وقع في بئر حفرها المولى لأن القتل تسببا ليس بقتل حقيقة لأن القتل فعل في الحر ويؤثر في إزهاق الروح والتسبب ليس بفعل في الحر لأنه لم يوصل إلا إلى الدية ولهذا لم يجب القصاص ولا يحرم الإرث فلم يصر متملكا للعبد وبالقتل مباشرة صار مستدعيا للعمد في كل موضع صار متلفا للعبد يضمن الفداء لما بينا .
ولو
أخبره عبده بالجناية فأعتقه المولى وقال لم أصدقه فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله لا يضمن ما لم يخبره رجل حر عدل وعندهما يضمن الدية وإن كان المخبر فاسقا أو كافرا وقد مرت في الوكالة والشفعة ولو به لغيره فهو على قسمين إما أن أقر بالجناية أولا ثم بالملك أو على عكسه وكل قسم لا يخلو إما أن يكون الملك في العبد معروفا للمقر أو كان مجهولا أما القسم الأول لو
أقر بالجناية ثم بالملك لغيره والملك في العبد معروف للمقر فإن صدقه المقر له في الملك والجناية جميعا يقال للمقر له ادفع العبد أو افده لأنه صح الإقرار لأن حق المجني عليه لا يمنع نفوذ تصرف المولى لأن حقه في الدافع أو الفداء وهو باق بعد الإقرار والثابت بالإقرار كالثابت بالبينة العادلة ومتى ظهر الملك للمقر له بالإقرار ظهر أن الجناية صدرت من ملكه وإن كان كذبه فيها لا يكون المقر مختارا للفداء خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر له أن صحة الإقرار لا تتوقف على تصديق المقر له ولهذا لو مات المقر قبل التصديق يصير المقر به ميراثا لورثته فقد زال العبد عن ملكه بنفس الإقرار وهو عالم بالجناية فيصير مختارا ولنا أن صحة الإقرار لا توجب على التصديق والبطلان يتوقف على التكذيب وإذا اتصل به التكذيب بطل من الأصل فلو صدقه في الملك وكذبه في الجناية صار المقر مختارا للفداء لأن الإقرار بالجناية على العبد صادف ملكه في العبد فصح .
ثم إذا أقر بالملك لغيره وصدقه المقر له صار مزيلا للعبد عن ملكه فصار كما لو باعه أو وهبه وأما القسم الثاني لو
أقر بالملك أولا ثم بالجناية إن صدقه فيهما فالخصم هو المقر له وإن كذبه فيهما فالخصم هو المقر وإن صدقه في الملك وكذبه في الجناية هدرت الجناية لأنه لما صدقه المقر في الملك ظهر أن إقراره بجناية العبد صادق فلا يصح إقراره بالجناية متى كذبه المقر له فلم تثبت الجناية وكذلك إن كان
العبد مجهولا لا يدري أنه للمقر أم لغيره فأقر بالجناية أولا ثم بالملك أو بالملك أولا ثم بالجناية لأن الملك ثابت للمقر بظاهر اليد لا يستند إلى دليل والملك الثابت بظاهر اليد لا يصلح حجة للاستحقاق واختيار الفداء فلم يصر مختارا للفداء بخلاف ما لو كان الملك له معروفا لأن ملكه ثابت مستند إلى دليل سوى ظاهر اليد فصلح حجة لإثبات ما لم يكن ولو
قال كنت بعته من فلان قبل الجناية وصدقه فلان يخير المشتري بين الدفع والفداء لأنه ثبت الملك بتصادقهما .