قال رحمه الله ( مدبر جنى عند غاصبه ثم عند سيده ضمن قيمته لهما ) أي لو
غصب رجل مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على مولاه فجنى عنده جناية أخرى ضمن المولى القيمة لولي الجنايتين فتكون بينهما نصفين لأن موجب جناية المدبر وإن كثرت قيمته واحدة فيجب ذلك على الملك للمولى لأنه هو الذي أعجز نفسه عن الدفع بالتدبير السابق من غير أن يصير مختارا للفداء كما في القن إذا أعتقه بعد الجنايات من غير أن يعلمها وإنما كانت القيمة بينهما نصفين لاستوائهما في السبب قال رحمه الله ( ورجع بنصف قيمته على الغاصب ) أي رجع المولى بنصف ما ضمن من قيمة المدبر على الغاصب للتعدي لأنه ضمن القيمة بالجنايتين نصفها بسبب كان يمتد للغاصب والنصف الآخر بسبب عنده فيرجع عليه بسبب لحقه من جهة الغاصب فصار كأنه لم يرد نصف العبد لأن رد المستحق بسبب وجد وعبده عند الغاصب كلا رد قال رحمه الله ( ورده للأول ) أي دفع المولى نصف القيمة الذي أخذه من الغاصب إلى ولي الجناية الأولى وهذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف قالوا لهما إن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني إلى آخره .
قال في العناية واعترض بأن الثانية مقارنة للأولى حكما فكيف يكون الحق للأول في جميع القيمة وأجيب بأن المقارنة جعلت حكما في حق الضمان لا غير والأولى مقدمة حقيقة وقد انعقدت موجبة لكل القيمة من غير مزاحمة وأمكن توفير موجبها فلا يمتنع بلا مانع
أقول : في الجواب بحث لأنا لا نسلم أن المقارنة جعلت حكما في حق التضمين لا غير بل جعلت حكما أيضا في حق مشاركة ولي الجناية الثانية لولي الجناية الأولى كما أرشد إليه قول صاحب الهداية في الفصل السابق لأن الثانية مقارنة حكما من وجه ولهذا يشارك ولي الجناية ا هـ .
فإذا جعلت المقارنة حكما في حق مشاركته وفي الجناية الثانية أيضا كان ولي الجناية الثانية مزاحما لولي الجناية الأولى في استحقاق جميع القيمة فكيف يأخذ ولي الجناية الأولى وحده كل القيمة مع مزاحمة الأولى الثانية له في استحقاقه إياه وإن كان الاعتبار لتقدم الأولى حقيقة دون المقارنة الحكمية ينبغي أن لا يستحق ولي الثانية شيئا من قيمة المدبر وليس الأمر كذلك بالإجماع فليتأمل في جواب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله لا يدفعها إليه لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى لأنه إنما يرجع على الغاصب فلا يدفع إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل وكي لا يتكرر الاستحقاق .
وقوله عوض ما سلم إلى ولي الجناية الأولى قلنا هو كذلك لكن ذلك في حق المولى والغاصب لأن ما أخذه المولى من الغاصب عوض المدفوع إلى ولي الجناية الأولى وأما في حق المجني عليه فهو عوض ما لم يسلم له ومثله جائز
كالذمي إذا باع خمرا وقضى دين مسلم يجوز له أخذه لأن تلك الدراهم ثمن الخمر في حق الذمي وبدل الدين في حق المسلم قوله ودفع إلى الأول فإن قلت : هذا يناقض قوله أولا : جناية العبد لا توجب إلا دفعا واحدا لو محلا أو قيمة واحدة وهنا
[ ص: 443 ] أوجبت قيمة ونصفا أو دفع العبد ونصف القيمة للأول فالجواب أن الكلام الأول فيما إذا تعددت الجناية في يد شخص واحد من غير غصب ورد يكون جامعا لها فلهذا تجب قيمة واحدة أو دفع واحد وهنا لما كانت عند شخصين لم يمكن جمعها فلها حكمان وإن كانت في يد واحد لكن بعد غصب ورد كما سيأتي في قوله ورده قال رحمه الله ( ثم رجع به على الغاصب ) أي يرجع المولى بذلك الذي دفعه إلى ولي الجناية الأولى ثانيا على الغاصب عندهما لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب فيرجع عليه بذلك فصار كأنه لم يرد ولم يضمن له شيئا إذا لم يبق شيء من العبد أو من بدله في يده قال رحمه الله ( وبعكسه لا يرجع به ثانيا ) أي بعكس ما ذكره لا يرجع غاصب المولى على الغاصب بالقيمة ثانيا وصورته أن
المدبر جنى عند مولاه أولا فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى ثم رده على المولى ضمن قيمته لولي الجنايتين فيكون بينهما نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة لأنه استحق عليه بسبب كان في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى بالإجماع أما عندهما فظاهر لما بينا .
وأما عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فإنه يمتنع الدفع إلى ولي الجناية الأولى في المسألة الأولى كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد على ما بينا وهنا لا يلزم ذلك لأن ما أخذه من الغصب عوض ما دفع إلى ولي الجناية الثانية فإذا دفعه إلى ولي الأولى لا يجتمع البدلان في ملك واحد وفي الأول يجتمع لأنه عوض ما أخذه هو بنفسه ثم إذا دفعه إلى ولي الأولى لا يرجع به على الغاصب بالإجماع وهو المراد بقوله وبعكسه لا يرجع ثانيا لأن المولى لما لم يدفع ما أخذه من الغاصب إلى ولي الأولى سلم له ما أخذه من الغاصب فلم يتصور الرجوع عليه وهنا لم يسلم له بالإجماع ومع هذا لا يرجع على الغاصب بالإجماع بما دفعه ثانيا لأن الذي دفعه المولى إلى ولي الجناية الأولى ثانيا هنا بسبب جناية وجدت عنده فلا يرجع به على أحد بخلاف المسألة الأولى عندهما لأن دفع المولى ثانيا إلى ولي الجناية الأولى فيها بسبب جناية وجدت عند الغاصب فيرجع عليه هنا كما ذكرنا .