( قوله ولزم النفل بالشروع ولو عند الغروب والطلوع ) بيان لما وجب على العبد من الصلاة بالتزامه وهو نوعان ما وجب بالقول وهو النذر وما وجب بالفعل وهو الشروع في النفل فنبدأ به تبعا للكتاب فنقول إن إبطال العمل حرام بالنص { ولا تبطلوا أعمالكم } فيلزمه الإتمام لأن الاحتراز عن إبطال العمل فيما لا يحتمل الوصف بالتحري لا يكون إلا بالتمام لأن المؤدى وقع قربة بدليل أنه لو مات بعد القدر المؤدى يصير مثابا وقد اتفق أصحابنا على لزوم القضاء في إفساد الصلاة والصوم سواء كان بعذر كالحيض في خلالهما أو بغير عذر وأنه يحل الإفساد لعذر فيهما وأنه لا يحل الإفساد في الصلاة لغير عذر واختلفوا في إباحته في الصوم لغير عذر ففي ظاهر الرواية لا يباح وفي رواية المنتقى يباح كما سيأتي في الصوم وقوله ولو عند الغروب بيان لكونه لازما له إذا شرع فيه في وقت مكروه وهو ظاهر الرواية فإذا أفسده لزمه قضاؤه بخلاف الصوم إذا شرع في وقت مكروه فإنه لا قضاء عليه بالإفساد وسيأتي الفرق إن شاء الله تعالى في الصوم وفي البدائع
وعندنا الأفضل أن يقطعها وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه لأنه أداها كما وجبت فإذا قطعها لزمه القضاء انتهى وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا على المكروه تحريما وليس بإبطال للعمل لأنه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه لأنها وجبت ناقصة وأداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت أطلق الشروع فانصرف إلى الصحيح فلو لم يكن صحيحا لا قضاء عليه كما لو شرع في صلاة أمي متطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب أو محدث كما في البدائع وانصرف إلى القصدي فالشروع في الصلاة المظنونة غير موجب والمراد بالشروع هو الدخول فيها بتكبيرة الافتتاح أو بالقيام إلى الشفع الثاني بعد الفراغ من الأول صحيحا فإذا أفسد الشفع الثاني لزمه قضاؤه فقط ولا يسري إلى الأول لما تقدم أن كل شفع منه صلاة على حدة إلا إذا صلى ثلاث ركعات بقعدة واحدة فإن الأصح أنه لا يجوز وفسد الشفع الأول لأن ما اتصل به القعدة وهي الركعة الأخيرة فسدت لأن التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها كذا في البدائع ثم هذا النفل إذا صار لازما بالشروع لا يخرج عن أصل النفلية ولهذا لو اقتدى متطوعا بإمام مفترض ثم قطعه ثم اقتدى به ولم ينو القضاء فإنه يخرج عن العهدة ولو نوى تطوعا آخر ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالإفساد وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف
وذكر في زيادات الزيادات أنه لا ينوب كما في البدائع أيضا وأما ما يجب بالقول وهو النذر ففي القنية أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ثم نقل أنه لو أراد أن يصلي نوافل قيل ينذرها ثم يصليها وقيل يصليها كما هي انتهى ويشكل عليه ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه من النهي عن النذر وهو [ ص: 62 ] مرجح لقول من قال لا ينذرها لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة فلم يكن مخلصا ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به بخلاف النفل والأحسن عند العبد الضعيف أنه لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين ثم المنذور قسمان منجز ومعلق فالمنجز يلزم الوفاء به إن كان عبادة مقصودة بنفسها ومن جنسها واجب فيحرم عليه الوفاء بنذر معصية ولا يلزمه بنذر مباح من أكل وشرب ولبس وجماع وطلاق ولا بنذر ما ليس بعبادة مقصودة كنذر الوضوء لكل صلاة وكذا لو نذر سجدة التلاوة خلافا لما في القنية من أنها تلزمه بخلاف ما إذا قال سجدة لا تلزمه ولا بنذر ما ليس من جنسه واجب كعيادة المريض وتشييع الجنازة قال في البدائع ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المرضى وتشييع الجنائز والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف والأذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك وإن كانت قربا لأنها غير مقصودة فلو قال لله علي أن أصلي أو أصلي صلاة أو علي صلاة لزمه ركعتان وكذا لو قال لله علي أن أصلي يوما لزمه ركعتان كما في القنية
فلو نذر صلوات شهر فعليه صلوات شهر كالمفروضات مع الوتر دون السنن لكنه يصلي الوتر والمغرب أربعا ولو نذر أن يصلي ركعة لزمه ركعتان أو ثلاثا فأربع لأن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كما عرف ولو نذر نصف ركعة لزمه ركعتان عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف وهو المختار كما في الخلاصة والتجنيس ولو نذر أن يصلي الظهر ثمانيا أو أن يزكي النصاب عشرا أو حجة الإسلام مرتين لا يلزمه الزائد لأنه التزام غير المشروع فهو نذر بمعصية كما لو نذر صلاة بغير وضوء لأنها ليست بعبادة بخلاف ما لو نذرها بغير قراءة أو عريانا فإنها تلزمه بقراءة مستورا على المختار لأنها بغير قراءة عبادة كصلاة المأموم والأمي وبغير ثواب لعادمه والظاهر أن مرادهم بغير وضوء بغير طهارة أصلا تجوزا بالخاص عن العام ليكون المشروع الأصلي في مثله هو الخاص وإلا فالصلاة بغير وضوء مشروعة بالتيمم عند العجز عن استعمال الماء وينبغي أن يلزم النذر بالصلاة بغير طهارة على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف كما قال به بغير وضوء لأنه يقول بمشروعيتها لفاقد الطهورين كما عرف وكأنه لندرته لم يفرع عليه وفي شرح المجمع لمصنفه لو قال صلاة بطهارة بلا طهارة يلزمه بطهارة اتفاقا وأما المعلق فظاهر الرواية أنه يلزمه الوفاء به عند وجود الشرط كما في الظهيرية
و اختار المحققون أنه إن كان معلقا على شرط يريد كونه لجلب منفعة أو دفع مضرة كأن شفى الله مريضي أو مات عدوي فلله علي [ ص: 63 ] صوم أو صدقة أو صلاة لا يجزئه إلا فعل عينه وإن كان معلقا على شرط لا يريد كونه كأن دخلت الدار أو كلمت فلانا كان مخيرا بين الوفاء به وبين كفارة اليمين وصححه في الهداية وقال إن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رجع عن غيره وكذا في الظهيرية وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد ثم في المعلق لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط بخلاف المضاف كأن نذر أن يصلي في غد فصلى اليوم فإنه يجوز عندهما خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد والفرق أن المعلق لا ينعقد سببا في الحال بل عند الشرط والمضاف ينعقد في الحال كما عرف في الأصول وأوضحناه في لب الأصول
ولو عين مكانا فصلى فيما هو أشرف منه أو دونه جاز خلافا nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر في الثاني وذكر في المصفى أن أقوى الأماكن المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم الجامع ثم مسجد الحي ثم البيت وذكر في الغاية بعد مسجد بيت المقدس مسجد قباء ثم الأقدم فالأقدم ثم الأعظم وذكر النووي أن هذه الفضيلة مختصة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده فعلى هذا تكون الصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة في تلك الزيادة إلا أن يكون فناء هذا المسجد في حكمه في الفضيلة تشريفا له وهي كانت من فنائه قبل أن تجعل منه والله أعلم بالصواب وفي عدة المفتي للصدر الشهيد مريض قال إن شفاني الله تعالى على أن أقدر فأصلي ركعة فلله علي أن أتصدق بدرهم هكذا إلى أربعة دراهم فقدر على أربع ركعات يجب عليه التصدق بعشرة دراهم انتهى ووجهه أنه يلزمه بالركعة الأولى درهم وبالثانية درهمان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة فالجملة عشرة دراهم وفي القنية أوجب على نفسه صلاة في وقت بعينه يتعين ولو فات يقضيها كالصوم ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة يصلي في التشهد ويستفتح إذا قام إلى الثالثة ا هـ .
( قول المصنف ولزم النفل بالشروع ) أي صلاة أو صوما كذا قال العيني وتعقبه في النهر بأنه من استعجال الشيء قبل أوانه وهلا قال أو حجا ا هـ .
وأجاب بعضهم بأنه تنصيص على ما فيه خلاف nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بخلاف الحج إذ لا خلاف له فيه ولا في العمرة على ما يعلم من الزيلعي ا هـ .
والظاهر تخصيص الصلاة فقط لأن المقام لها ولأنه ينبو عن الصوم قول المصنف ولو عند الغروب والطلوع كما لا يخفى هذا وإنما لم يذكر الاستواء لأنه وقت ضيق لا يتأتى فيه أداء الصلاة كذا نقله بعضهم عن الشلبي وفيه أن الكلام في الشروع لا في الأداء ومدة الشروع يسيرة يمكن فيه فالأولى الجواب بأن تحري الشروع عند الاستواء نادر لعدم العلم به غالبا بخلاف الطلوع والغروب ( قوله ولو نوى تطوعا آخر ) أي مع الإمام في الصورة المذكورة ( قوله ويشكل عليه ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه ) وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ولفظه { nindex.php?page=hadith&LINKID=107980نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل } [ ص: 62 ]
( قوله عن عهدة النهي ) أي النهي عن النذر فإن النهي الذي في حديث nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مطلق وتقييده بالنذر المعلق يحتمل أن يكون مراده ويحتمل عدمه جريا على ظاهر الإطلاق فالأحوط عدم النذر لكن ذكر في فتح القدير في فروع قبيل كتاب الحج لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه موجب النذر لأن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب ا هـ .
ففيه التصريح بأن النذر بالقربة قربة فليس بمنهي عنه فيتعين تأويل الحديث بالمعلق بما لا يريد كونه كإن دخلت دار فلان فلله علي صوم كذا ونحوه فإنه لم يقصد به القربة وكذا المعلق بما يريد كونه كإن شفى الله مريضي أو رد غائبي فلله علي كذا فإنه لم يخلص من شائبة العوض حيث جعل القربة في مقابلة الشفاء ونحوه مع ما فيه من إيهام أن الشفاء حصل بسببه فلذا قال في الحديث إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل فإن هذا الكلام قد وقع موقع التعليل للنهي بخلاف النذر غير المعلق على شيء أصلا فإنه تبرع محض بالقربة لله تعالى فلا وجه لجعله داخلا تحت النهي هذا وقد حمل بعض شراح البخاري النهي في الحديث على من يعتقد أن النذر مؤثر في تحصيل غرضه المعلق عليه وما قلناه أقرب والله تعالى أعلم ( قوله ومن جنسها واجب ) انظر ما فائدة التقييد به فإن عيادة المريض وتشييع الجنازة قد خرجا بعبادة مقصودة كما يصرح به ما سينقله عن البدائع ( قوله وينبغي أن يلزم النذر بالصلاة بغير طهارة على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ) مقتضى ذلك أنه لم ير التصريح بذلك وهو عجيب فقد صرح به صاحب المجمع في شرحه عليه مع أنه سينقله عنه قريبا وعبارة شرح المجمع لمصنفه هكذا إذا نذر أن يصلي ركعتين بغير طهارة لزماه بطهارة عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لأن صدر كلامه نذر صحيح ملزم للطهارة اقتضاء فكان قوله بغير طهارة مناقضا له فسقط وبقي الباقي على الصحة كقوله أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم أو لله علي ركعتين بطهارة أو بغير طهارة وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لا يلزمه شيء لأنه نذر بمعصية فلا يلزمه والكلام واحد فلا بد من اعتباره بخلاف الإفصاح بشرط الصحة لأنه يعد رجوعا عن المنطوق بعد صحته ولزومه انتهت وبها يعلم ما في عبارته التي نقلها عن شرح المجمع من التحريف على ما في بعض النسخ فإن في بعضها لو قال صلاة بطهارة بلا طهارة والصواب فيها أو بلا طهارة وفي بعضها الاقتصار على قوله بلا طهارة وهي صحيحة وعليها فقد علمت ما في كلامه .