حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل وكله مسائل الجامع ( قوله صلى ركعة من الظهر فأقيم يتم شفعا ويقتدي ) لأن الأصل أن نقض العبادة قصدا بلا عذر حرام لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } ولإفضائه إلى السفه خصوصا إذا كانت فرضا وأن النقض للإكمال إكمال معنى فيجوز كنقض المسجد للإصلاح وكنقض الظهر للجمعة وكمن أصاب جبهته شوك في سجوده [ ص: 76 ] فرفع ثم وضع لم يجعل سجدتين وللجماعة مزية على الصلاة منفردا بالحديث فجاز نقض الصلاة منفردا لإحراز الجماعة ولكن هذا إذا لم تثبت شبهة الفراغ من صلاته منفردا فإن ثبتت شبهته لا ينقضها لأن العبادة بعدما فرغ منها لا تقبل البطلان إلا بالردة فنقول إن صلى ركعة من الظهر يضم إليها أخرى ثم يسلم ويدخل مع القوم لأنه يمكنه إحراز الجماعة مع إحراز النفل بإضافة ركعة أخرى إليها إذ التطوع شرع شفعا لا وترا ومتى أمكن إدراك العبادتين لا يصار إلى إبطال أحدهما وقد صرح الكل هنا بأنه إنما يضم ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان وهو صريح فيمن صلى ركعة فقط فهي باطلة لا أنها صحيحة مكروهة كما توهمه بعض حنفية عصرنا فإن قيل لو ضم تفوته تكبيرة الافتتاح قلنا ذلك أيسر من إبطال العمل إذ صيانته عن البطلان واجبة وإدراكها فضيلة وجاز الإبطال لما هو سنة لأنه إكمال معنى كما قدمناه والمعاني أحق بالاعتبار من الصور كمن تذكر في الركوع السورة فإنه يرفضه لأجلها مع أنها واجبة وهو فرض لأن في رفضه إقامته على أكمل الوجوه فصار حسنا مع أنه إبطال للوصف فقط وقول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بطلان الوصف يستلزم بطلان الأصل هو فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي كما إذا قيد خامسة الظهر بسجدة ولم يكن قعد الأخيرة أما إذا كان متمكنا من المضي لكنه أذن له الشرع في عدمه فلا يبطل أصلها بل تبقى نفلا إذا ضم الثانية أراد بالظهر الفرض الرباعي وأراد بالإقامة شروع الإمام في موضع هو فيه لا إقامة المؤذن لأنه لا يقطع صلاته إذا أقام المؤذن وإن لم يقيد بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره ولو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو كان في مسجد فأقيمت في مسجد آخر الفريضة لا يقطعها مطلقا كما ذكره الشارح وغيره وقيد بالركعة التي تتم بالسجدة لأنه لو لم يقيد الأولى بالسجدة فإنه يقطع ويشرع مع الإمام وهو الصحيح لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال كذا في الهداية وفي المحيط والكافي هو الأشبه وقيد بالفرض لأنه لو كان في النفل لا يقطع مطلقا وإنما يتمه ركعتين واختلفوا في السنة قبل الظهر أو الجمعة إذا أقيمت أو خطب الإمام فالصحيح أنه يتمها أربعا كما صرح به الولوالجي وصاحب المبتغى والمحيط ثم الشمني لأنها صلاة واحدة وليس القطع للإكمال بل للإبطال صورة ومعنى وقيل يقطع على رأس الركعتين ورجحه في فتح القدير بحثا بأنه يتمكن من قضائها بعد الفرض ولا إبطال في التسليم على الركعتين فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب ا هـ .
والظاهر ما صححه المشايخ لأنه لا شك أن في التسليم على رأس الركعتين إبطال وصف السنية لا لإكمالها وتقدم أنه لا يجوز ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للأربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني إلى غير ذلك كما قدمناه وأراد من الظهر الظهر المؤدى لأنه لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت [ ص: 77 ] لا يقطع كالنفل والمنذورة كالفائتة كذا في الخلاصة وقيدنا بكون الإبطال حراما لغير عذر لأنه لو كان لعذر فإنه جائز كالمرأة إذا فار قدرها والمسافر إذا ندت دابته أو خاف فوت درهم من ماله بل قد يكون واجبا كالقطع لإنجاء غريق وفي فتاوى الولوالجي المصلي إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيبه ما لم يفرغ من صلاته إلا أن يستغيث به لأن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك الأجنبي إذا خاف أن يسقط من سطح أو تحرقه النار أو يغرقه الماء وجب عليه أن يقطع الصلاة هذا إذا كان في الفرض فأما في النوافل إذا ناداه أحد أبويه إن علم أنه في الصلاة وناداه لا بأس به أن لا يجيبه وإن لم يعلم يجيبه ا هـ .
ومن العذر ما إذا شرع في نفل فحضرت جنازة خاف إن لم يقطعها تفوته فإنه يقطعها ويصلي عليها لأنه لا يتمكن من المصلحتين معا وقطع النفل معقب للقضاء بخلاف الجنازة لو اختار تفويتها كان لا إلى خلف كذا في فتح القدير .
( باب إدراك الفريضة ) ( قوله حقيقة هذا الباب ) كذا في معراج الدراية وفتح القدير وجعله في العناية شروعا في الأداء الكامل وهو الأداء بالجماعة بعد الفراغ من بيان إدراك الفرائض والواجبات والنوافل قال في النهر وهذا أولى إذ عادتهم أنهم لا يبوبون لمسائل شتى بابا بل يترجمون عنها بشتى أو متفرقة أو منثورة فكان هذا الداعي لعدوله في العناية وغيره إلى ما مر [ ص: 76 ] ( قوله وهو صريح فيمن صلى ركعة فقط فهي باطلة ) علله في العناية بقوله لأن البتيراء منهي عنها قال بعضهم فيه أن النهي عنها لا يقتضي بطلانها قلت لكن في الحواشي السعدية قال قوله لأن البتيراء منهي عنها يعلم منه أن النهي بمعنى النفي وإلا لم يلزم البطلان ا هـ .
( قوله كما توهمه بعض حنفية عصرنا ) قال في النهر وبطلان هذا التوهم غني عن البيان ( قوله أراد بالظهر الفرض الرباعي ) قال الرملي فيه جمع بين الحقيقة والمجاز فالأولى الإلحاق بطريق الدلالة ا هـ .
قلت : وهذا هو المناسب وإن أمكن الجواب عن الجمع بينهما لأن تقييده بالظهر له فائدة سينبه عليها المؤلف عند قوله ولو صلى ثلاثا ( قوله وقيد بالركعة التي لا تتم إلا بالسجدة ) يعني قيد إتمام الشفع بما إذا صلى ركعة كاملة لأنها لا تسمى ركعة إلا بالسجدة فأفاد أنه إذا لم يصل ركعة كاملة بأن لم يقيدها بالسجدة لا يتم شفعا بل يقطع ويشرع ( قوله ورجحه في فتح القدير ) قال في الشرنبلالية وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وإليه مال السرخسي وهو الأوجه ( قوله وأراد من الظهر الظهر المؤداة إلخ ) قال الرملي لم أر حكم ما إذا أقيمت قبل أن يشرع في قضاء الفائتة وخاف إن اشتغل بها فوت الجماعة الحاضرة ولا شك أنه إن كان صاحب ترتيب في وجوب الابتداء بالفائتة وإن لم يكن صاحب ترتيب فلكل من الابتداء بالفائتة والصلاة الحاضرة وجه أما الأول ليكون الأداء على حسب ما وجب وليخرج من خلاف nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله فإن الترتيب عنده لا يسقط بشيء من الأعذار المذكورة كما نص على مذهبه في المجتبى وأما الثاني فلإحراز فضيلة الجماعة التي ورد الوعد والوعيد فيها وجواز تأخير القضاء وعدم إمكان تلافي فضيلة الجماعة إذا فاتت وتلافي قضاء الفائتة مع تقديم أداء الحاضرة مع الجماعة وهو ظاهر من إشارة قوله لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع فإن فيه إشارة إلى أنه لو أقيمت قبل شروعه يقدم الحاضرة والذي يظهر لي أرجحية هذا إذ في الابتداء بالفائتة والحالة هذه تفويت فضيلة الجماعة وليس في الابتداء بالحاضرة تفويت [ ص: 77 ] ذلك تأمل وراجع فعسى تظفر بالمنقول ثم نقل عن النووي أن الأفضل الترتيب للخلاف في وجوبه وعن الإسنوي البداءة بالحاضرة جماعة ثم قال فانظر كيف اختلف مثل هؤلاء الأجلاء في ترجيح أحد الوجهين وقواعدنا لا تأبى ذلك في ساقط الترتيب فإن مذهبنا كمذهبهم فيه ا هـ .
ويظهر لي أرجحية ما رجحه لأن الجماعة واجبة عندنا أو في حكم الواجب ومراعاة خلاف nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك مستحبة فلا ينبغي تفويت الواجب لأجل المستحب تأمل .