صفحة جزء
قال : فقلت له : فما فرق ما بين الغاصب والسارق وبين المستعير والمتكاري ؟

قلت في المتكاري والمستعير : إنه إذا رد الدابة وقد تعدى عليها فأصابها العيب ، إن رب الدابة مخير في أن يأخذ الدابة بعينها ويأخذ كراءها ، وبين أن يضمن المتكاري والمستعير قيمتها يوم تعدى عليها . وإن ردها صحيحة وكان تعديه ذلك ببريد وما أشبهه ، ولكن أكثر من ذلك ، فله أن يضمنه أيضا إن شاء قيمتها يوم تعدى عليها ، وإن شاء أخذ دابته وأخذ كراءها . وقلت في السارق والغاصب : إنه لا يضمن الكراء ، إنما لرب الدابة أن يأخذ دابته إذا وجدها بعينها ، وليس له غير ذلك إذا كانت بحالها يوم غصبت أو سرقت . وإن كانت أسواقها قد حالت ، فليس له إلا دابته معينة أو قيمتها يوم غصبها أو سرقها ، ولا كراء له ، وليس له على السارق والغاصب في واحد من الوجهين كراء .

قال ابن القاسم : لأن مالكا قال في المتكاري : إذا حبسها عن أجلها الذي تكاراها له ، كان عليه كراء ما حبسها فيه ، وإن لم يركبها وهي على حالها قائمة على مداودها ، وإن كان حبسها عن أسواقها فلربها أن يضمنه قيمتها يوم حبسها .

قال : وقال لي مالك في السارق إذا سرقها فحبسها عن أسواقها ومنافعها ، فوجدها صاحبها على حالها ، لم يكن له على سارقها قيمة ولا كراء ، ولم يكن له إلا دابته بعينها . فهذا فرق ما بينهما عند مالك . والمغتصب بمنزلة السارق ، والمستعير بمنزلة المتكاري . ولولا ما قال مالك ، لجعلت على السارق مثل ما أجعل على المتكاري من كراء ركوبه إياها ، وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها ، ولكني أخبرتك بقول مالك فيها ، وهو الذي آخذ به فيها . ولقد قال جل الناس : إنما السارق والمستعير والغاصب والمتكاري بمنزلة واحدة ، لا كراء عليهم وليس عليهم إلا القيمة ، أو يأخذ دابته . فكيف يجعل على المغتصب والسارق كراء ؟

قلت له : أرأيت الأرض والدور ، أليس قد قال مالك في الأرض : إذا غصبها رجل فزرعها إن عليه كراءها ويردها ؟

قال : نعم ، قلت : والدور عند مالك بهذه المنزلة إن سكنها الذي غصبها ، فعليه كراء ما سكن ؟

قال : نعم .

قلت : فالدابة إذا سرقها فركبها ، لم قلت لا كراء عليه فيها في قول مالك ؟ فما فرق ما بين الدابة والدور والأرضين ؟

قال : كذلك سمعنا من مالك ; لأن الدابة ، لو أن رجلا سرقها فحبسها حينا فأنفق عليها وكبرت الدابة - والجارية والغلام بهذه المنزلة - فاستحقهم صاحبهم ، أنه يأخذهم بزيادتهم ولا نفقة لمن أنفق عليهم في طعامهم ولا كسوتهم ولا علوفة الدواب وإن الدور لو أحدث فيها عملا ، والأرض ، ثم جاء صاحبها فاستحقها ، أخذ الغاصب ما كان له فيها ، ولهذه الأشياء وجوه تنصرف

التالي السابق


الخدمات العلمية