في هذا الحديث : أن الإمام مأمور بالتخفيف خشية الإطالة على من خلفه ؛ فإنه لا يخلو بعضهم من عذر كالضعيف والكبير وذي الحاجة .
وهذا يدل على أن الأمر بالتخفيف إنما يتوجه إلى إمام يصلي في مسجد يغشاه الناس .
قال حنبل بن إسحاق : قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله - يعني : أحمد - : إذا كان المسجد على قارعة الطريق أو طريق يسلك فالتخفيف أعجب إلي ، فإن كان مسجدا يعتزل أهله ويرضون بذلك فلا بأس ، وأرجو إن شاء الله .
وقالت طائفة : على الإمام أن يخفف بكل حال .
ورجحه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، قال : لأنه وإن علم قوة من خلفه ، فإنه لا يدري ما يحدث بهم من آفات بني آدم ، وذكر أن تطويل الإمام غير جائز ، وأنه يلزمه التخفيف .
قال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا : قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل ذلك في نفسه إذا كان مصليا ، وقد أمر أئمته بالتخفيف ، فيتوجه الحديثان على معنيين .
كذا قال ، وفيه نظر ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف ويوجز ويتم الصلاة ، فلم يكن يفعل خلاف ما أمر به الأئمة .
وليس في حديث nindex.php?page=showalam&ids=91أبي مسعود الذي خرجه هاهنا ما يدل على ما بوب عليه من تخفيف القيام وإتمام الركوع والسجود ، وقد خرج فيما بعد حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجز ويتم .
وقد رويت أحاديث في التخفيف مع إتمام الركوع والسجود ، وهي مطابقة لترجمة هذا الباب ، لكن ليست على شرط هذا ( الكتاب ) .
ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم ، قال : من أمنا فليتم الركوع والسجود ؛ فإن فينا الضعيف والكبير والمريض والعابر السبيل وذا الحاجة ، هكذا كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 209 ] وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، ولفظه : أن nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم خرج إلى مجلسهم ، فأقيمت الصلاة فتقدم إمامهم ، فأطال الصلاة والجلوس ، فلما انصرف قال : من أمنا منكم فليتم الركوع والسجود ؛ فإن خلفه الصغير والكبير والمريض وابن السبيل وذا الحاجة ، فلما حضرت الصلاة تقدم عدي فأتم الركوع والسجود ، وتجوز في الصلاة ، فلما انصرف قال : هكذا كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وغيره من حديث نافع بن خالد الخزاعي ، حدثني أبي - وكان من أصحاب الشجرة - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى والناس ينظرون صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود .
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس فإنه يخفف عنهم ، وإذا صلى لنفسه يطول .
فالصلاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بالناس هي التخفيف الذي أمر به غيره ، وإنما أنكر على من طول تطويلا زائدا على ذلك ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة العشاء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخرها كثيرا ، كما سبق ذكره في ( المواقيت ) ، ثم ينطلق إلى قومه في بني سلمة فيصلي بهم ، وقد استفتح حينئذ بسورة البقرة ، فهذا هو الذي أنكره على nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ .
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة في ( صحيحه ) .
[ ص: 210 ] والمراد : أن التخفيف المأمور به هو ما كان يفعله ، ومن كان يفهم أنه كان يفعل خلاف ما أمر به - كما أشعر به تبويب nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي - فقد وهم .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة في ( صحيحه ) nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول ، عن الحكم ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، أنه كان يتخلف عن الصلاة ، فقيل له ، فقال : إنكم تخففون ، فقيل : أليس قد كان يؤمر بذلك ؟ قال : إن الذي كان عليهم خفيفا عليكم ثقيل .
واعلم ؛ أن التخفيف أمر نسبي ، فقد تكون الصلاة خفيفة بالنسبة إلى ما هو أخف منها ، فالتخفيف المأمور به الأئمة هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله إذا أم ، فالنقص منه ليس بتخفيف مشروع ، والزيادة عليه إن كان مما فعله الخلفاء الراشدون كتطويل القراءة في صلاة الصبح ، على ما كان يفعله - أحيانا - أبو بكر [ ص: 211 ] nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر فليس بمكروه ، نص عليه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره ، وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في ( الأم ) : أحب أن يبدأ الراكع فيقول : سبحان ربي العظيم - ثلاثا - ، ويقول كل ما حكيت عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله - يعني : حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي - قال : وكل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه ، إماما كان أو منفردا ، وهو تخفيف لا تثقيل . انتهى كلامه .
فقد كان حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من تخفيف الصلاة من الأئمة تخفيفا ، وقد حكي ذلك عن أهل الكوفة ، وحدث من يطيل الصلاة على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إطالة زائدة ، وكان ذلك في أهل الشام وأهل المدينة - أيضا - ، وكان السلف ينكرون على الطائفتين ، وقد ذكرنا إنكار يزيد التيمي - وكان من أعيان التابعين - على من خفف الصلاة من أئمة الكوفة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وغيره ينكرون على من أطال الصلاة إطالة زائدة على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 212 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=12510ابن أبي عاصم في ( كتاب السنة ) من رواية سالم بن حذلم ، قال : رآني nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أصلي ، فلما انصرفت قال لي : ممن أنت ؟ قلت : من أهل الشام ، قال : إنكم أهل الشام تصلون الصلاة وتكثرون من الدعاء ، وإني لم أصل خلف أحد أخف صلاة في تمام من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية في غير ( المسند ) بعد قوله : ( لعبتموها عليه ) : ( يعني : في التخفيف ) .
[ ص: 213 ] وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال : -أيها الناس- ، لا تبغضوا الله إلى عباده ، فقال قائل منهم : وكيف ذلك ؟ قال : يكون الرجل إماما للناس ، يصلي بهم ، فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر .