وإنما خص nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هذا الحديث بالتشهد الأخير؛ لأنه روي في آخره الأمر بالتخيير من الدعاء، كما سيأتي، والدعاء يختص بالأخير، ولكن المراد بالتشهد الأخير: كل تشهد يسلم منه، سواء كان قبله تشهد آخر أم لا.
وخرج الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بلفظ آخر، وهو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله " - فذكره، وقال في آخره: " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع به ربه عز وجل ".
وهذا اللفظ صريح في أنه يتشهد بهذا التشهد في كل ركعتين يسلم منهما.
[ ص: 173 ] وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي - أيضا - بلفظ آخر، وهو: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعدنا في الركعتين أن نقول: " التحيات لله " فذكره، ولم يذكر بعده الدعاء.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بلفظ وهو: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها، وذكر الحديث، وقد سبق ذكر إسناده، وقال في آخره: ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها، دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ آخر، وهو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: " قولوا في كل جلسة: التحيات لله " فذكره.
وهذا يشمل الجلوس الأول والثاني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله هو السلام " إنما قاله نهيا لهم عن أن يقولوا: " السلام على الله من عباده "، وكانوا يقولون ذلك، ثم يسلمون على جبريل وميكائيل وغيرهما.
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في رواية أخرى، يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعادة الصلوات التي قالوا فيها ذلك، واستدل بذلك على أن كلام الجاهل لا يبطل الصلاة؛ فإن هذا الكلام منهي عنه في الصلاة وغيرها؛ فإن الله تعالى هو السلام؛ لأنه القدوس المبرأ من الآفات والنقائص [ ص: 174 ] كلها، وذلك واجب له لذاته، ومنه يطلب السلامة لعباده؛ فإنهم محتاجون إلى السلامة من عقابه وسخطه وعذابه.
وفي قولهم هذا الكلام قبل أن يعلموا التحيات: دليل على أنهم رأوا أن المنصرف من صلاته لا ينصرف حتى يحيي الله تعالى وخواص عباده بعده، ثم ينصرف، ثم يسلم؛ لأن المصلي يناجي ربه ما دام يصلي، فلا ينصرف حتى يختم مناجاته بتحية تليق به، ثم يحيي خواص خلقه، ثم يدعو لنفسه، ثم يسلم على الحاضرين معه، ثم ينصرف.
وقد أقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما قصدوه من ذلك، لكنه أمرهم أن يبدلوا قولهم: " السلام على الله "، بقولهم: " التحيات لله ". والتحيات: جمع تحية، وفسرت التحية بالملك، وفسرت بالبقاء والدوام، وفسرت بالسلامة، والمعنى: أن السلامة من الآفات ثابت لله، واجب له لذاته.
وفسرت بالعظمة، وقيل: إنها تجمع ذلك كله، وما كان بمعناه، وهو أحسن.
قال ابن قتيبة : إنما قيل " التحيات " بالجمع؛ لأنه كان لكل واحد من ملوكهم تحية يحيا بها، فقيل لهم: " قولوا: التحيات لله " أي: أن ذلك يستحقه الله وحده.
وقوله: " والصلوات " فسرت بالعبادات جميعها، وقد روي عن طائفة من المتقدمين: أن جميع الطاعات صلاة، وفسرت الصلوات هاهنا بالدعاء، [ ص: 175 ] وفسرت بالرحمة، وفسرت بالصلوات الشرعية، فيكون ختام الصلاة بهذه الكلمة كاستفتاحها بقول: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
وقوله: " والطيبات "، فسرت بالكلمات الطيبات، كما في قوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب فالمعنى: إن ما كان من الكلام فإنه لله، يثنى به عليه ويمجد به.
وفسرت " الطيبات " بالأعمال الصالحة كلها؛ فإنها توصف بالطيب، فتكون كلها لله بمعنى: أنه يعبد بها ويتقرب بها إليه.
فهذا جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بدل قوله: " السلام على الله ".
أحدهما: أن المراد بالسلام اسم الله - يعني: فكأنه يقول: اسم الله عليك.
والثاني: أن المراد: سلم الله عليك تسليما وسلاما، ومن سلم الله عليه، فقد سلم من الآفات كلها.
ثم أقرهم أن يسلموا على النبي بخصوصه ابتداء؛ فإنه أشرف المخلوقين وأفضلهم، وحقه على الأمة أوجب من سائر الخلق؛ لأن هدايتهم وسعادتهم [ ص: 176 ] في الدنيا والآخرة كان على يديه بتعليمه وإرشاده -صلى الله عليه وسلم- تسليما، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
والسلام على النبي بلفظ: " السلام عليك أيها النبي "، وهكذا في سائر الروايات؛ ولذلك كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يعلم الناس في التشهد على المنبر بمحضر من الصحابة.
وقد اختار بعضهم أن يقال بعد زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-: " السلام على النبي "، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في موضع آخر من " كتابه " أنهم كانوا يسلمون على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته في التشهد كذلك، وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة .
ثم عطف على ذكر السلام على النبي: " ورحمة الله وبركاته "، وهذا مطابق لقول الملائكة لإبراهيم عليه السلام: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت.
ثم أمرهم بعد ذلك بأن يقولوا: " السلام علينا " والضمير عائد على المصلي نفسه، وعلى من حضره من الملائكة والمصلين وغيرهم.
وفي هذا مستند لمن استحب لمن يدعو لغيره أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبله، وهو قول علماء الكوفة ، وخالفهم آخرون، وقد أطال الاستدلال لذلك [ ص: 177 ] في " كتاب الدعاء " من " صحيحه " هذا، ويأتي -إن شاء الله تعالى- في موضعه، بتوفيق الله وعونه.
وقوله: " وعلى عباد الله الصالحين " هو كما قال صلى الله عليه وسلم: " فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض ". فيغني ذلك عن تعيين أسمائهم؛ فإن حصرهم لا يمكن، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم.
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في التشهد، ولفظه: قال عبد الله : كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم: " التحيات لله " - فذكره.
وفي رواية أخرى له: كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الكلم وخواتمه، فقال: " إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله " - فذكره.
ثم أمرهم أن يختموه بالشهادتين، فيشهدون لله بتفرده بالإلهية، ويشهدون لمحمد بالعبودية والرسالة؛ فإن مقام العبودية أشرف مقامات الخلق؛ ولهذا سمى الله محمدا صلى الله عليه وسلم في أشرف مقاماته وأعلاها بالعبودية، كما قال تعالى في صفة ليلة الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده وقال: فأوحى إلى عبده ما أوحى
ولهذا المعنى لما سلم على الصالحين في هذا التشهد سماهم: [ ص: 178 ] " عباد الله "، والصالحون هم القائمون بما لله عليهم من الحقوق له ولخلقه، وإنما سمي التشهد تشهدا لختمه بالشهادتين.
ولم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التشهد غير تشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وقد أجمع العلماء على أنه أصح أحاديث التشهد، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التشهد من روايات أخر فيها بعض المخالفة لحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بزيادة ونقص، وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم منها حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى الأشعري ، وقد نص على ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيه: " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله " وباقيه كتشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، غير أن في آخره: " وأشهد أن محمدا رسول الله ".
وكل ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من التشهدات، فإنه يصح الصلاة به، حكى طائفة الإجماع على ذلك، لكن اختلفوا في أفضل التشهدات:
فذهب الأكثرون إلى ترجيح تشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وتفضيله، والأخذ به.
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق كان يعلمهم على المنبر كما يعلم الصبيان في الكتاب، ثم ذكره بمثل تشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة .
[ ص: 179 ] وروي - أيضا - نحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري وغيره، وهو قول علماء العراق من أهل الكوفة والبصرة ، من التابعين ومن بعدهم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود : رأيت nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة يتعلم التشهد من عبد الله ، كما يتعلم السورة من القرآن.
وقال إبراهيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود : كان عبد الله يعلمنا التشهد في الصلاة كما يعلمنا السورة من القرآن، يأخذ علينا الألف والواو.
وقال إبراهيم : كانوا يتحفظون هذا التشهد - تشهد عبد الله - ويتبعونه حرفا حرفا.
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وغيره.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أن العمل على تشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وأنه قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق .
وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور وأهل الرأي وكثير من أهل المشرق.
وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن أكثر أهل الحديث.
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقلت: يا رسول الله، اختلف علينا في التشهد: فقال: " عليك بتشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ".
وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أنه لو تشهد بغيره بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يجزئه.
وذكر القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى : أن كلام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في التشهد بما روي عن الصحابة، nindex.php?page=showalam&ids=2كعمر أو غيره: هل يجزئ أو لا؟ - محتمل، والأظهر: أنه يجزئ.
[ ص: 180 ] وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة تشهدات أخر.
وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق على جواز التشهد بذلك كله -: نقله حرب .
ومن أصحابنا من قال: يجب التشهد بتشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ولا يجزئ أن يسقط منه واوا ولا ألفا. وهذا خلاف nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
والمحققون من أصحابنا على أنه يجوز التشهد بجميع أنواع التشهدات المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وقال طائفة، منهم: القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى في كتابه " الجامع الكبير ": إذا أسقط من التشهد ما هو ساقط في بعض الروايات دون بعض صحت صلاته، وإن أسقط ما هو ساقط في جميعها لم تصح.
وقيل: nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : لو قال في تشهده: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله ": هل يجزئه؟ قال: أرجو.
وقد ورد مثل ذلك في بعض روايات حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، وهو في بعض نسخ " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم "، وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998لأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
والأفضل عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : التشهد بتشهد nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، الذي نقله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد .
[ ص: 181 ] والأفضل عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك تشهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وقد ذكره في " الموطأ " موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، أنه كان يعلمه الناس على المنبر يقول: قولوا: " التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات لله " وباقيه كتشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مرفوعا من وجوه لا تثبت، والله أعلم.
وطائفة من علماء الأندلس اختاروا تشهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وكان يقال عنه: إنه لم يكن بالأندلس من اجتمع له علم الحديث والفقه أحد قبله مثله.