ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أن لفظ هذه الرواية: " ذهب أهل الدور "، وقال: والصواب " الدثور ".
وذكر غيره: أن هذه رواية المروزي ، وأنها تصحيف، والرواية المشهورة: " أهل الدثور " على الصواب.
و: " الدثور ": جمع دثر، بفتح الدال، وهو: المال الكثير.
وفي الحديث: دليل على قوة رغبة الصحابة -رضي الله عنهم- في الأعمال الصالحة الموجبة للدرجات العلى والنعيم المقيم، فكانوا يحزنون على العجز عن شيء مما يقدر عليه غيرهم من ذلك.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا حسد إلا في اثنتين "، فذكر منهما: " رجل [ ص: 242 ] آتاه الله مالا، فهو ينفقه في وجهه، فيقول رجل: لو أن لي مالا، لفعلت فيه كما فعل ذلك ".
فلذلك كان الفقراء إذا رأوا أصحاب الأموال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون وينفقون حزنوا على عجزهم عن ذلك، وتأسفوا على امتناعهم من مشاركتهم فيه، وشكوا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فدلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمل، إن أخذوا به أدركوا من سبقهم، ولم يدركهم أحد بعدهم، وكانوا خير من هم بين ظهرانيهم، إلا من عمل مثله، وهو التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين.
وهذا يدل على أن الذكر أفضل الأعمال ، وأنه أفضل من الجهاد والصدقة والعتق وغير ذلك.
وقد روي هذا المعنى صريحا عن جماعة كثيرة من الصحابة، منهم: nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ وغيرهما.
وروي مرفوعا من وجوه متعددة - أيضا.
ولا يعارض هذا حديث الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يعدل الجهاد، فقال: " هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وتقوم فلا تفتر " - الحديث [ ص: 243 ] المشهور، لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قدومه. فليس يعدل ذلك شيء غير ما ذكره، والفقراء دلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمل يستصحبونه في مدة عمرهم، وهو ذكر الله الكثير في أدبار الصلوات، وهذا أفضل من جهاد يقع في بعض الأحيان، ينفق صاحبه فيه ماله.
فالناس منقسمون ثلاثة أقسام، أهل ذكر يدومون عليه إلى انقضاء أجلهم، وأهل جهاد يجاهدون وليس لهم مثل ذلك الذكر. فالأولون أفضل من هؤلاء.
وقوم يجمعون بين الذكر والجهاد، فهؤلاء أفضل الناس.
ولهذا لما سمع الأغنياء الذين كانوا يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون بما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- الفقراء من ذلك عملوا به، فصاروا أفضل من الفقراء حينئذ؛ ولهذا لما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، قال: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
ومن زعم من الصوفية أنه أراد أن الفقر فضل الله، فقد أخطأ، وقال ما لا يعلم.
وقد دل الحديث على فضل التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من طريق ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي ، وذكر فيه: أن المختلفين هم nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي وبعض أهله، وأن القائل له هو أبوه nindex.php?page=showalam&ids=12045أبو صالح السمان ، وأن ابن عجلان قال: حدثت بهذا الحديث رجاء بن حيوة ، فحدثني بمثله، عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أواخر كتابه " الصحيح " - أيضا - من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17275ورقاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي بهذا الإسناد، بنحوه، ولكن قال فيه: " تسبحون في دبر كل صلاة [ ص: 244 ] عشرا، وتحمدون عشرا، وتكبرون عشرا ".
وقال: تابعه nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي . قال: ورواه ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي nindex.php?page=showalam&ids=15889ورجاء بن حيوة . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16376عبد العزيز بن رفيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء . ورواه سهيل ، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. انتهى.
ومراده: المتابعة على إسناده.
ورواية nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، هي التي خرجها في هذا الباب.
ورواية ابن عجلان ، هي التي خرجها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، كما ذكرناه.
ورواية سهيل ، خرجها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم - أيضا - بمثل حديث ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي ، وزاد في الحديث: يقول سهيل : إحدى عشرة إحدى عشرة، فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون.
وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير التي أشار إليها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقوله: عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، فقد تابعه عليها - أيضا - nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن عبد العزيز .
والظاهر: أنه وهم، فإن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبا صالح إنما يرويه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، لا عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، كما رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي وسهيل nindex.php?page=showalam&ids=15889ورجاء بن حيوة .
وإنما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16376عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي عمر الصيني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، كذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن عبد العزيز ، وهو أصح -: قاله nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة ، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني .
[ ص: 245 ] وأما ألفاظ الحديث، فهي مختلفة:
ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر التي خرجها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هاهنا: " تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثا وثلاثين "، وفسره بأنه يقول: " سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر " حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين .
وقد تبين أن المفسر لذلك هو nindex.php?page=showalam&ids=12045أبو صالح ، وهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه يجمع بين هذه الكلمات الثلاث، فيقولها ثلاثا وثلاثين مرة، فيكون مجموع ذلك تسعا وتسعين.
والثاني: أنه يقولها إحدى عشرة مرة، فيكون مجموع ذلك ثلاثا وثلاثين.
وهذا هو الذي فهمه سهيل ، وفسر الحديث به، وهو ظاهر رواية nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح - أيضا.
ولكن؛ قد روي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من غير هذا الوجه صريحا بالمعنى الأول:
وقد روي عن سهيل بهذا الإسناد - موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
[ ص: 246 ] وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في " الموطأ "، عن أبي عبيد - موقوفا.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في " صحيحه " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - مرفوعا.
والموقوف عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أصح.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " اليوم والليلة " بنحو هذا اللفظ، من رواية ابن عجلان ، عن سهيل ، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - مرفوعا.
وخرج الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في " صحيحه " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15714حسان بن عطية ، حدثني محمد بن أبي عائشة ، حدثني nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر : يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور - فذكر الحديث، بمعناه، وقال فيه: " تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمده ثلاثا وثلاثين، وتسبحه ثلاثا وثلاثين، تختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر ".
فهذا ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من الاختلاف.
وقد روي عنه نوع آخر، وهو: التسبيح مائة مرة، والتكبير مائة مرة، والتهليل مائة مرة، والتحميد مائة مرة .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " كتاب اليوم والليلة " بإسناد فيه ضعف.
وروي موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
[ ص: 247 ] وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " السنن " بإسناد آخر، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - مرفوعا -: " من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفر له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر ".
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - موقوفا عليه -: التسبيح عشر، والتحميد عشر، والتكبير عشر.
وقد تقدم أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري خرجه في آخر " كتابه " عنه - مرفوعا.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في هذا الباب أنواع أخر من الذكر:
فمنها: التسبيح والتحميد والتكبير مائة، فالتسبيح والتحميد كل منهما ثلاث وثلاثون، والتكبير وحده أربع وثلاثون.
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة .
وخرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت .
وخرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، لكن عنده: أن التحميد هو الأربع.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، وعنده: أن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة قال: لا أدري أيتهن أربع.
ومنها: التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل مائة مرة، من كل واحد [ ص: 248 ] خمس وعشرون.
وخرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
ومنها: التسبيح عشر مرات، والتحميد مثله، والتكبير مثله، فذلك ثلاثون.
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " اليوم والليلة " من حديث سعد.
ومنها: التكبير إحدى عشرة مرة، والتحميد مثله، والتهليل مثله، والتسبيح مثله، فذلك أربع وأربعون .
خرجه البزار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وإسناده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة .
ويجوز الأخذ بجميع ما ورد من أنواع الذكر عقب الصلوات ، والأفضل أن [ ص: 249 ] لا ينقص عن مائة، لأن أحاديثها أصح أحاديث الباب.
واختلف في تفضيل بعضها على بعض:
فقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - في رواية الفضل بن زياد - وسئل عن التسبيح بعد الصلاة ثلاثة وثلاثين أحب إليك، أم خمسة وعشرين؟ قال: كيف شئت.
قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى : وظاهر هذا: التخيير بينهما من غير ترجيح.
وقال - في رواية علي بن سعيد -: أذهب إلى حديث ثلاث وثلاثين.
وظاهر هذا: تفضيل هذا النوع على غيره.
وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق : الأفضل أن تسبح ثلاثا وثلاثين، وتحمد ثلاثا وثلاثين، وتكبر ثلاثا وثلاثين، وتختم المائة بالتهليل. قال: وهو في دبر صلاة الفجر آكد من سائر الصلوات؛ لما ورد من فضيلة الذكر بعد الفجر إلى طلوع الشمس.
نقل ذلك عنه nindex.php?page=showalam&ids=15703حرب الكرماني .
وهل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرة، فيقولهن ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يختم بالتهليل، أم الأفضل أن يفرد التسبيح والتحميد والتكبير على حدة؟
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - في رواية محمد بن ماهان ، وسأله: هل يجمع بينهما، أو يفرد؟ قال: لا يضيق.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى : وظاهر هذا: أنه مخير بين الإفراد والجمع.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - في رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود -: يقول هكذا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يقطعه.
[ ص: 250 ] وهذا ترجيح منه للجمع، كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=12045أبو صالح ، لكن ذكر التهليل فيه غرابة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق : الأفضل أن يفرد كل واحد منها.
وهو اختيار القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14953أبي يعلى من أصحابنا، قال: وهو ظاهر الأحاديث؛ لوجهين:
أحدهما: أنه قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون "، والواو قد قيل: إنها للترتيب، فإن لم تقتض وجوبه أفادت استحبابه.
والثاني: أن هذا مثل نقل الصحابة -رضي الله عنهم- لوضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه تمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ولا خلاف في المراد: أنه غسل كل عضو من ذلك بانفراده ثلاثا ثلاثا، قبل شروعه في الذي بعده، ولم يغسل المجموع مرة، ثم أعاده مرة ثانية، وثالثة.
قلت: هذا على رواية من روى التسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، والتكبير ثلاثا وثلاثين ظاهر، وأما رواية من روى " تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثا وثلاثين " فمحتملة، ولذلك وقع الاختلاف في فهم المراد منها.