وهذا الحديث لا دلالة فيه على واحد من الأمرين ; فإن غسل nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الذي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم به لم يكن من الحيض ، بل كانت حائضا ، وحيضها حينئذ موجود ، فإنه لو كان قد انقطع حيضها لطافت للعمرة ، ولم تحتج إلى هذا السؤال . ولكن أمرها أن تغتسل في حال حيضها وتهل بالحج ، فهو غسل للإحرام في حال الحيض ، كما أمر nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس لما نفست بذي الحليفة أن تغتسل وتهل .
قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي في حديثه : ( انقضي رأسك ) .
وهذا أيضا يوهم أنه قال لها ذلك في غسلها من الحيض ، وهذا مختصر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الذي خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقد ذكر هذا الحديث المختصر للإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، فأنكره . قيل له : كأنه اختصره من حديث الحج ؟ قال : ويحل له أن يختصر ؟ ، نقله عنه المروذي .
ونقل عنه إسحاق بن هانئ أنه قال : هذا باطل .
[ ص: 477 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14242أبو بكر الخلال : إنما أنكر nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد مثل هذا الاختصار الذي يخل بالمعنى ، لا أصل اختصار الحديث . قال : nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة في مصنفاته يختصر مثل هذا الاختصار المخل بالمعنى . هذا معنى ما قاله الخلال .
وقد تبين برواية nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه أن الطنافسي رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عنه ، ورواه أيضا إبراهيم بن مسلم الخوارزمي في ( كتاب الطهور ) له عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع أيضا ، فلعل وكيعا اختصره . والله أعلم .
وقد يحمل مراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - على وجه صحيح ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنقض شعرها وامتشاطها عند الغسل للإحرام ; لأن غسل الإحرام لا يتكرر ، فلا يشق نقض الشعر فيه ، وغسل الحيض والنفاس يوجد فيه هذا المعنى ، بخلاف غسل الجنابة ; فإنه يتكرر فيشق النقض فيه ; فلذلك لم يؤمر فيه بنقض الشعر .
وقد تكلم بعض العلماء في لفظة : ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنقض رأسها وامتشاطها ) ، وقالوا : هي وهم من هشام . وكذلك قالوا في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( دعي العمرة ) . ولكن قد رواهما أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة .
ولهشام في هذا الحديث وهم آخر ، وهو أنه قال : ( ولم يكن هدي ولا صيام ولا صدقة ) ، وقد ثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر ; فإنها إن كانت قد صارت قارنة فالقارن عليه هدي ، وإن كانت قد رفضت عمرتها لزمها دم لذلك ، عند من يقول به .
وفي ( صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ) عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن تغتسل وتهل بالحج .
[ ص: 478 ] ولم يذكر نقض الشعر ولا تسريحه ; فإن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة كانت محرمة بعمرة كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عنها . وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم قد روى عنها أنها كانت محرمة بحجة ، إلا أن رواية nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أصح ، كذا قاله الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره .
وقد قيل : إنها أحرمت من الميقات بحجة ، ثم فسخت ذلك إلى عمرة لما أمروا بالفسخ ، ثم حاضت بعد ذلك قبل دخول مكة .
وفي هذا نظر ; فإنه روي ما يدل على أنها كانت أحرمت بعمرة من الميقات ، والحائض إذا كانت محرمة بعمرة ، ولم تقدر على طواف العمرة قبل يوم عرفة ، وخشيت فوات إدراك الحج - فإنها تحرم بالحج مع العمرة ، وتبقى قارنة عند أكثر العلماء ، nindex.php?page=showalam&ids=16867كمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، ويكفيها عندهم طواف واحد وسعي واحد لما بعد التعريف للحج والعمرة .
وقد روى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة صريحا . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وتأولوا قول النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : ( دعي عمرتك ) - على أنه أراد : اتركيها بحالها ، وأدخلي عليها إحرام الحج .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : من رواه ( انقضي عمرتك ) - فقد أخطأ ، ورواه بالمعنى الذي فهمه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة والكوفيون : ترفض العمرة ، ثم تحرم بالحج ، ثم تقضي العمرة بعد الحج ، وتأولوا حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة على ذلك .
وقالت طائفة : إنما أمرها أن تنقض رأسها وتمتشط ; لأن المعتمر إذا دخل الحرم حل له كل شيء إلا النساء ، كالحاج إذا رمى الجمرة .
وقد روي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، ولعلها أخذته من روايتها هذه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16270عائشة [ ص: 479 ] بنت طلحة ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء .
وقد أخذ الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بذلك في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني عنه ، وهي رواية غريبة عنه .
ووهم nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في هذا الحديث حيث قال : أشبه الأمور ما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وهو أنه فسخ عليها عمرتها ; لأن مذهبه أن فسخ الحج عام غير خاص .
وهذا وهم على nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ; فإن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد يرى جواز فسخ الحج إلى العمرة قبل أن يقف بعرفة ، وأما فسخ العمرة إلى الحج فلا يقول به nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإنما يقوله الكوفيون في الحائض إذا كانت معتمرة وخافت فوات الحج ، وتأولوا حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عليه .
والعجب ممن جوز فسخ العمرة إلى الحج بتأويل محتمل ، ومنع من فسخ الحج إلى العمرة ، مع تواتر النصوص الصريحة الصحيحة بذلك التي لا تقبل التأويل بمجرد دعوى النسخ أو الاختصاص . ولم يثبت حديث واحد يدل على شيء من ذلك ، وسيأتي القول في هذا مستوفى في موضعه من ( الحج ) إن شاء الله تعالى .
فإن المقصود هنا هو نقض الشعر وتسريحه عند الغسل من الحيض ، وممن أمر به في الحيض دون الجنابة nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد .
واختلف أصحابنا : هل ذلك واجب ؟ أو مستحب ؟ على وجهين ، وظاهر كلام الخرقي وجوبه .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في ( صحيحه ) المسمى ( بالمختارة ) .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في ( الأفراد ) وعنده : ( مسلم بن صبيح ) ، وقال : تفرد به عن حماد .
وكذا ذكره أبو بكر الخطيب ، وقال : هو مسلم بن صبيح ، بصري يكنى أبا عثمان ، وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13484ابن ماكولا وغيره ، ومع هذا فليس بالمشهور .
وأما ما نقله مهنا عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أن المرأة لا تنقض شعرها من الجنابة ، بل تفيض عليه الماء ; لحديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والحائض تنقضه .
قال مهنا : قلت له : كيف تنقضه من الحيضة ، ولا تنقضه من الجنابة ؟ فقال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( تنقضه ) . قلت : من nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء ؟ قال : nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما .
فهذا لعله وهم من مهنا ، أو ممن روى عنه ، ولا يعرف nindex.php?page=showalam&ids=64لأسماء بنت أبي بكر في هذا الباب حديث بالكلية ، إنما حديثها في غسل دم الحيض من الثوب ، وقد تقدم .
ولكن في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض ، وليس فيه أنه أمرها بالنقض ، بل أمرها بدلكه دلكا شديدا حتى يبلغ شئون رأسها ، ولم يأمرها بنقضه .
وفي الحديث أنها سألته عن غسل الجنابة ، فأمرها بمثل ذلك ، غير أنه [ ص: 481 ] لم يقل : ( دلكا شديدا ) . وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كما تقدم .
وأسماء هذه وقع في ( صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ) أنها ( بنت شكل ) ، وذكر أبو بكر الخطيب أنها nindex.php?page=showalam&ids=10382أسماء بنت يزيد بن السكن ، وخرج الحديث من رواية يوسف القاضي ، من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن إبراهيم بن المهاجر - بالإسناد الذي خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وفيه أن nindex.php?page=showalam&ids=10382أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض ، فذكره .
وفي ( صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ) من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إني امرأة أشد ضفر رأسي ، أفأنقضه للحيضة والجنابة ؟ قال : ( لا ) .
وهذه اللفظة - أعني : لفظة ( الحيضة ) - تفرد بها nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وكأنها غير محفوظة ; فقد رواه غير واحد عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، فلم يذكروها .
وقد رويت أيضا هذه اللفظة من حديث سالم الخياط ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة . وسالم ضعيف ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن لم يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=11942أبو بكر الحنفي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر - مرفوعا : ( لا يضر المرأة الحائض والجنب أن لا تنقض شعرها إذا أصاب الماء شئون رأسها ) . تفرد به الحنفي ، ورفعه منكر .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر موقوفا ، وهو أصح .
[ ص: 482 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، قال : كن نساء nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يغتسلن من الحيض والجنابة ، فما ينقضن شعورهن ، ولكن يبلغن بالماء أصول الشعر .
هذا كله إذا وصل الماء إلى غضون الشعر المضفور ، فإن لم يصل بدونه وجب نقضه عند الأكثرين . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والمشهور عند أصحابنا ، ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11997أبي خيثمة ، nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبي بكر بن أبي شيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=16040وسليمان بن داود الهاشمي ، ويحيى بن يحيى ، nindex.php?page=showalam&ids=14032والجوزجاني ، وغيرهم من فقهاء الحديث . واستدلوا بالأحاديث الواردة في الأمر بحل الشعر ، وقد تكلم في أسانيدها .
وقالت طائفة : لا يجب ذلك ، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وهو قول طائفة من أصحابنا ، منهم صاحب ( المغني ) ، وذكر أنه ظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، وأن الشعر حكمه حكم المنفصل عن الجسد ، لا حكم المتصل به .
ولأصحابنا وجه أنه يفرق بين غسل الحيض والجنابة ، فيجب غسل الشعر في غسل الحيض خاصة .
والصحيح من مذهب الحنفية أن الشعر إذا كان مضفورا لا يلزم المرأة نقضه في جنابة ولا حيض ; لمشقة نقضه ، بخلاف الرجل فإنه يلزمه نقضه ، وإن كان محلولا وجب غسله وإيصال الماء إلى بواطنه كشعر اللحية .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16684عمر بن هارون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سالم خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يجعلن رءوسهن أربع قرون ، فإذا اغتسلن جمعنهن على أوساط رءوسهن ) .
[ ص: 483 ] nindex.php?page=showalam&ids=16684عمر بن هارون ضعيف .
وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة بالغسل للإحرام وهي حائض دليل على أن الأغسال المستحبة تفعل مع الحيض كأغسال الحج المستحبة ، ويدخل ذلك في قوله لها : ( اصنعي ما يصنع الحاج ) .
ولو كان على الحائض غسل جنابة ، إما قبل الحيض أو في حال الحيض - فهل يستحب لها الاغتسال في حال حيضها للجنابة ؟ فيه روايتان عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
واختلف السلف في ذلك ; فقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي وغيره : تغتسل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : لا تغتسل ; الحيض أكبر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ثم رجع عن ذلك ، وقال : تغتسل .
وأما الوضوء فلا يشرع للحائض في حال حيضها ما لم ينقطع دمها ، فتصير كالجنب . ونص nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أنها لو توضأت وهي حائض لم يجز لها الجلوس في المسجد بخلاف الجنب ، وفيه وجه : يجوز إذا أمنت تلويثه .
ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أنه لا يشرع لها الوضوء عند النوم والأكل ، وهو قول أصحابنا ، واختلف أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك .
وأما وضوؤها عند كل صلاة ، وجلوسها قدر الصلاة للذكر - ففيه خلاف نذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى .