وقد سبقت الإشارة إلى الاختلاف في هذه المسألة، وأن السفر هل هو شرط لجواز التيمم أم كان ذكره في القرآن؛ لأن السفر مظنة عدم الماء غالبا؟ والأكثرون على الثاني، فلو لم يجد الماء في الحضر تيمم وصلى.
واختلفوا: هل يعيد إذا وجد الماء أم لا؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يعيد، وهو وجه لأصحابنا.
ومنهم من فرق بين أن تقصر مدة عدم الماء في الحضر فيعيد، وبين أن تطول فلا يعيد، والصحيح من المذهب: أنه لا يعيد، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني وغيرهم.
وذهبت طائفة إلى أنه لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر، وهو رواية عن [ ص: 33 ] nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد اختارها الخلال والخرقي ، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر وداود .
ومن أصحابنا من قال: إن كان يرجو حصول الماء قريبا لم يصل حتى يجده، وإن فات الوقت.
المسألة الثانية:
أن المريض إذا كان يجد الماء، ولكن ليس عنده من يناوله إياه، فإنه يتيمم ويصلي، حكاه عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وهو - أيضا - قول nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وأكثر العلماء.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يعيد، وحكي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وظاهر كلامه أنه لا يعيد، وهو المشهور عند أصحابنا.
ولأصحابنا وجه: أنه إن رجا أن يجد من يناوله الماء بعد الوقت قريبا لم يصل بالتيمم، وأخر حتى يجيء من يناوله.
والصحيح: الأول، وأنه يصلي بالتيمم في الوقت، ولا يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على الوضوء بعده، كما لا يؤخر المسافر الصلاة إذا رجا الوصول إلى الماء بعد الوقت عقيبه.
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، في قوله تعالى: وإن كنتم مرضى قال: نزلت في رجل من الأنصار، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية. [ ص: 34 ] المسألة الثالثة:
أنه يجوز التيمم بقرب المصر إذا لم يجد الماء، وإن كان يصل إلى المصر في الوقت، هذا هو المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه وقد احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقال: كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يتيمم قبل أن يدخل المدينة ، وهو يرى بيوت المدينة .
وهذا الأثر مشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عنه، وقد رفعه بعضهم، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي مرفوعا. قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وهو غير محفوظ.
ولفظ المرفوع: أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم تيمم بموضع يقال له: مربد النعم ، وهو يرى بيوت المدينة .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه أقبل من أرضه التي بالجرف ، حتى إذا كان بمربد النعم حضرت الصلاة صلاة العصر، فتيمم وهو ينظر إلى بيوت المدينة .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أقبل من الجرف حتى كان بالمربد تيمم وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة.
" الجرف " - بضم الجيم والراء -: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال.
و" المربد ": مكان بقرب المدينة .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، أنه تيمم على رأس ميل أو ميلين من المدينة ، فصلى العصر، ثم قدم والشمس مرتفعة، فلم يعد.
ورواه - أيضا - nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، قال: أقبلت مع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من الجرف حتى إذا بلغ المربد تيمم، ثم صلى.
ورواه العمري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه تيمم وصلى ثم دخل المدينة في وقت، فلم يعد.
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12158أبو معشر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال: أقبلنا من الغابة ، حتى إذا كنا بمربد النعم جاءت الصلاة، فتيمم، وصلى العصر، ثم دخل المدينة .
وهذا المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يؤخذ منه عدة مسائل:
ومنها: أن المسافر سفرا قصيرا له أن يتيمم فيه كالسفر الطويل، وهو قول جمهور العلماء - أيضا - وحكي فيه خلاف شاذ في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومن أصحابه من لم يثبته عنه، وقال: إنما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن غيره، وهو وجه ضعيف لأصحابنا - أيضا.
وقد تقدم: أن عدم الماء في الحضر يبيح التيمم عند الأكثرين، لكن منهم من أوجب الإعادة فيه، فمن قال: يعيد إذا تيمم في الحضر، وقال: لا يتيمم إلا في سفر طويل جعل حكم السفر القصير حكم الحضر في الإعادة إذا صلى فيه بالتيمم. [ ص: 36 ] وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن محمد بن مسلمة المالكي ، أنه حمل ما فعله nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على أنه خاف فوت الوقت، وهذا يدل على أنه يرى أن الحاضر إذا كان عادما للماء لم يتيمم، إلا أن يخاف فوت الوقت.
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : عن الراعي تكون الماشية منه على الميلين والثلاثة؟ فذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال: يتيمم ويصلي.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : قلت nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : الرجل يخرج على الميلين والثلاثة والأكثر، فتحضره الصلاة، أيتيمم؟ قال: إذا خاف يتيمم. قيل له: فيعيد؟ قال: لا.
قال حرب : قلت لإسحاق - يعني: nindex.php?page=showalam&ids=12418ابن راهويه -: فرجل من المدينة على فرسخ، وليس في سفر، فحضرت الصلاة، وليس له ماء، أيتيمم ويصلي؟ قال: نعم. قلت: يعيد؟ قال: لا، وأنا أرى في الحضر التيمم.
قال: وسألته عن رجل في الصيد، وليس هو في سفر، فحضرت الصلاة، ولم يكن معه ماء، فتيمم وصلى؟ قال: إن كان في معصية يعيد، وإن كان للكسب على عياله لا يعيد.
وروى حرب بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، في رجل ينتجع الكلأ فلا يجد الماء؟ قال: لا نرى أن يقيم بالأرض ليس فيها ماء. قال nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ذكرته لبعض المشيخة، فقال: سمعت أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ذكر ذلك له، فقال: لو لم يكن لهم ذلك لم يكن لنا أن نتركهم وذلك.
والمنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الحطاب ونحوه: لا يرخص لهم في ترك حمل ماء الوضوء، وأنه إذا لم يكن معهم ماء فلا يتيممون، وحمله القاضي على أن السفر القصير لا تيمم فيه.
[ ص: 37 ] وأجاز طائفة من أصحابنا لمن عدم الماء في الحضر في التيمم في آخر الوقت، وأنهم لا يكلفون طلب الماء مع فوت الوقت مع بعد الماء في الحضر، وأوجب القاضي في " خلافه " طلب الماء على الحاضر، وإن أدركه بعد الوقت.
[ ص: 38 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : ذكر nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد في إسناده وهم ليس بمحفوظ، بل هو مرسل.
واستحب nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي الإعادة بالوضوء في الوقت من غير إيجاب.
ونقله حرب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : يجوز ولا يستحب، وذكر أنه ظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ; فإنه قال في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16214صالح : إن أعاد لم يضره.
وقال الخلال : العمل من قول أبي عبد الله على أنه لا يعيد.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : إن شاء أعاد، وإن شاء لم يعد.
وصرح أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأن الإعادة غير مستحبة.
وهذا الحديث قد يستدل به على استحباب الإعادة ; لقوله: لك الأجر مرتين. وقد يقال: إصابة السنة أفضل من ذلك.
وقد ذكرنا في " كتاب العلم " في شرح حديث: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين أنه ليس كل من له أجره مرتين يكون أفضل من غيره.
ومنها: أنه لا يجب طلب الماء لمن عدمه في غير موضعه الذي هو فيه، وقد أخذ بذلك nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق ، واستنبطه من فعل nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا.