مقصوده بهذا الباب: أن أهل المدينة ومن كان قريبا من مسامتهم كأهل الشام والعراق ، فإن قبلتهم ما بين المشرق والمغرب من جهة الكعبة ، وأن المشرق والمغرب ليس قبلة لهم، وما بينهما فهو لهم قبلة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن استقبال القبلة بغائط أو بول، وأمرهم أن يشرقوا أو يغربوا، فدل على أن الشرق والغرب ليس لهم قبلة، وما بينهما فهو لهم قبلة.
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، أنهما قالا: ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق.
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ما بين المشرق والمغرب قبلة لنا نحن أهل المشرق، ليس هي لأهل الشام ولا أهل اليمن .
ومراده: بعض أطراف الشام .
وهذا هو مراد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بقوله: ما بين المشرق والمغرب قبلة .
وقد روي مرفوعا، إلا أنه ليس على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ليس له إسناد.
يعني: أن في أسانيده ضعفا.
[ ص: 290 ] وقال مرة : ليس بالقوي. قال: وهو عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر صحيح.
وأقوى ما ورد فيه مسندا: حديث nindex.php?page=showalam&ids=15176عبد الله بن جعفر المخرمي ، عن عثمان بن محمد الأخنسي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " nindex.php?page=hadith&LINKID=34252ما بين المشرق والمغرب قبلة ".
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
وقال: حديث حسن صحيح.
والأخنسي ، وثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين وغيره. والمخرمي خرج له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : روى مناكير.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي - أيضا - من طريق أبي معشر نجيح السندي ، عن محمد بن عمرو ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو معشر : ضعيف الحديث.
وتابعه عليه: علي بن ظبيان ، فرواه عن محمد بن عمرو ، كما رواه.
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي .
وعلي بن ظبيان ضعيف - أيضا.
وفيه حديث مرسل:
رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - في رواية ابنه nindex.php?page=showalam&ids=16214صالح - عن أبي سعيد مولى بني هاشم : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال ، قال: قال عمرو بن أبي عمرو : عن المطلب بن [ ص: 291 ] حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " nindex.php?page=hadith&LINKID=662683ما بين المشرق والمغرب قبلة، إذا وجهت وجهك نحو البيت الحرام ".
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، قال: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة .
وهذا هو الذي قال فيه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إنه صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان وغير واحد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15748حماد بن مسعدة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله ، وزاد فيه: " إلا عند البيت ".
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16421ابن نمير nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورفعه غير صحيح عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره من الحفاظ.
وأما nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم فصححه، وقال: على شرطهما وليس كما قال.
وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا.
وابن المجبر مختلف في أمره.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة : هو وهم، والحديث -حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - موقوف.
وروي هذا المعنى - أيضا - عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهم - ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك.
وكذلك قال إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : ما بين المشرق والمغرب قبلة، زاد nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : لأهل المشرق.
[ ص: 292 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد فيمن مال عن القبلة: لا يضره ; ما بين المشرق والمغرب قبلة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن فيمن التفت في صلاته: إن استدبر القبلة بطلت صلاته، وإن التفت عن يمينه أو شماله مضت صلاته.
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15769حميد بن عبد الرحمن أنه أعاد صلاة صلاها في مسجد قيل له: إن في قبلته تياسرا.
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أنه إن علم في الصلاة أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب قطع وابتدأ الصلاة، وإن علم بذلك بعد الصلاة أعاد في الوقت، وإن علم أنه انحرف يسيرا فلينحرف إلى القبلة ويبني -: ذكره في " تهذيب المدونة ".
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، لم تختلف نصوصه في ذلك، ولم يذكر المتقدمون من أصحابه فيه خلافا، وإنما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى ومن بعده وأخذوه من لفظ له محتمل ليس بنص ولا ظاهر، والمحتمل يعرض على كلامه الصريح، ويحمل عليه، ولا يعد مخالفا له بمجرد احتمال بعيد، ولكن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي له قولان في المسألة، وأما nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فلم يختلف قوله في ذلك، وقد صرح بمخالفة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه. قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية جعفر بن محمد : بين المشرق والمغرب قبلة، ولا يبالي مغرب الصيف ولا مغرب الشتاء، إذا صلى بينهما فصلاته صحيحة جائزة، إلا أنا نستحب أن يتوسط القبلة، ويجعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، يكون وسطا بين ذلك، وإن هو صلى فيما بينهما، وكان إلى أحد الشقين أميل فصلاته تامة، إذا كان بين المشرق والمغرب، ولم يخرج بينهما.
ونقل عنه جماعة كثيرون هذا المعنى.
وروي عنه أنه سئل عن قوله: ما بين المشرق والمغرب قبلة، فأقام وجهه نحو القبلة، ونحا بيده اليمنى إلى الشفق، واليسرى إلى الفجر، وقال: القبلة [ ص: 293 ] ما بين هذين.
وقال في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : إذا طلعت الشمس من المشرق فقد ثبت أنه مشرق، وإذا غربت فقد ثبت أنه مغرب، فما بين ذلك قبلة لأهل المشرق، إذا كان متوجها إلى الكعبة .
وقد أنكر أن يكون المراد مشرق الشتاء خاصة، وقال: لا يبالي مغرب الشتاء ولا مغرب الصيف، إذا صلى بينهما فصلاته جائزة.
ومراده: أن ما بين أقصى المشارق إلى أقصى المغارب في الشتاء والصيف فهو قبلة، والمستحب أن يصلي وسطا من ذلك.
ولم يرد nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه في كل فصل من فصول العام يصلي وسطا بين مشرق الشمس ومغربها فيه حينئذ ; لأنه يلزم من ذلك الانحراف إلى المشرق أو المغرب في بعض الأزمان.
وإنما قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد هذا لأن من الناس من فسر " ما بين المشرق والمغرب قبلة " بمشرق الشتاء ومغربه خاصة، منهم: nindex.php?page=showalam&ids=11997أبو خيثمة nindex.php?page=showalam&ids=16040وسليمان بن داود الهاشمي ; فإن الشتاء له مشرق ومغرب، والصيف كذلك، ولهذا ثناهما الله تعالى في قوله: رب المشرقين ورب المغربين وجمعهما في قوله: برب المشارق والمغارب باعتبار مشارق الشتاء والصيف والخريف والربيع ; فإن لكل يوم من السنة مطلعا مشرقا خاصا ومغربا خاصا، وأفردهما في قوله: رب المشرق والمغرب باعتبار الجنس.
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه قيل له: قبلة أهل بغداد على الجدي؟ فجعل ينكر أمر الجدي، فقال: أيش الجدي؟ ولكن على حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : " ما بين المشرق والمغرب قبلة ".
ولم يرد أن الجدي لا دلالة له على القبلة ; فإنه قال في رواية أخرى عنه: الجدي يكون على قفاه - يعني: للمصلي - وكلامه يدل على أن الاستدلال على العين بما يستدل به من يستدل على العين غير مستحب.
وقد تقدم نصه على أن من مال في صلاته إلى أحد الشقين، ولم يخرج عما بين المشرق والمغرب فصلاته تامة، وإن كان الأفضل أن يتوخى الوسط بينهما.
ويدل على ذلك: أن الصحابة - رضي الله عنهم - لما فتحوا الأمصار وضعوا قبل كثير منها على الجهة، بحيث لا يطابق ذلك سمت العين على الوجه الذي يعرفه أهل الحساب، وصلوا إليها، وأجمع المسلمون بعدهم على الصلاة إليها، وهذا يدل على أن تحرير حساب مسامتة العين ليس هو الأفضل، فضلا عن أن يكون واجبا.
ولهذا لما خالف في ذلك كثير من الفقهاء المتأخرين، واستحبوا مراعاة العين أو أوجبوه، واستدلوا على ذلك بالنجوم ونحوها رأوا أن كثيرا من قبل البلدان منحرفة عن القبلة، فأوجب لهم ذلك الحيرة والشك في حال سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم.
وقد أوجب بعضهم مراعاة ذلك وأمر بهدم كل قبلة موضوعة على خلافه، كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15703حرب الكرماني ، وهذا يفضي إلى تضليل سلف الأمة، والطعن في صلاتهم.
واستحب بعضهم الاستدلال بعروض البلدان وأطوالها، ومراعاة ذلك في الاستقبال، وإن لم يوجبوه، كما قالهnindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم وغيره.
والصحيح: ما قاله الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : أن ذلك كله غير مستحب مراعاته.
[ ص: 295 ] وبذلك يعلم أن من أوجب تعلم هذه الأدلة، وقال: إنه فرض عين أو كفاية - ممن ينتسب إلى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - فلا أصل لقوله، وإنما تلقاه من قواعد قوم آخرين تقليدا لهم.
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر - أيضا - فأوله طلوع الفجر الثاني، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض، وآخره غروب الشمس.
كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة، فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر، وآخره طلوع الشمس، وأول وقت الظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل كل شيء مثله، وهو أول وقت العصر، وآخره اصفرار الشمس أو غروبها، وهو أول وقت المغرب، وآخره غروب الشفق، وهو أول وقت العشاء، وآخره نصف الليل أو ثلثه، ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر، فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب.
وكذلك القبلة، لا تحتاج إلى حساب ولا كتاب، وإنما تعرف في المدينة [ ص: 296 ] وما سامتها من الشام والعراق وخراسان بما بين المشرق والمغرب.
ولهذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان أنه قال: كيف يخطئ الرجل الصلاة - وما بين المشرق والمغرب قبلة - ما لم يتحيز المشرق عمدا؟!
وقد أجمعت الأمة على صحة الصف المستطيل مع البعد عن الكعبة ، مع العلم بأنه لا يمكن أن يكون كل واحد منهم مستقبلا لعينها بحيث إنه لو خرج من وسط وجهه خط مستقيم لوصل إلى الكعبة على الاستقامة، فإن هذا لا يمكن إلا مع التقوس ولو شيئا يسيرا، وكلما كثر البعد قل هذا التقوس لكن لا بد منه.
ومن حكى عن الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية بوجوب التقوس لطرفي الصف الطويل فقد أخطأ، وقال عليه ما لم يقله، بل لو سمعه لبادر إلى إنكاره والتبري من قائله، وهو خلاف عمل المسلمين في جميع الأمصار والأعصار.
وقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق.
وروي عنه أنه قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم، ثم أمسكوا.
فمراده - والله أعلم -: أنه يتعلم من النجوم الشرقية والغربية والمتوسطة ما يهتدي به إلى جهة القبلة بعد غروب الشمس، وفي حالة غيبوبة القمر، فيستدل بذلك على الشرق والغرب، كما يستدل بالشمس والقمر عليهما، ولم يرد - والله أعلم - تعلم ما زاد على ذلك، ولهذا أمر بالإمساك ; لما يؤدي التوغل في ذلك إلى ما وقع فيه المتأخرون من إساءة الظن بالسلف الصالح.
وقد اختلف في تعلم منازل القمر وأسماء النجوم المهتدى بها، فرخص فيه nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وكره nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة تعلم منازل القمر.
[ ص: 297 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : رب ناظر في النجوم، ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق.
وروي ذلك عنه، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .