" وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ".
وذكر بقية الحديث.
وقد خرجه بتمامه في أول " التيمم " من هذا الوجه، ومن وجه آخر، وسبق الكلام عليه هنالك مستوفى.
وذكرنا أن قوله: " جعلت لي الأرض مسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل " قد استدل بعمومه بعض الناس على الصلاة في المقابر والأعطان والحمام وغير ذلك مما اختلف في الصلاة فيه، وإن من العلماء من منع دلالته على ذلك، وقال: إنما خرج الكلام لبيان أن هذه الأمة خصت عن الأمم بأنهم يصلون في غير المساجد المبنية للصلاة فيها، فيصلون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض، في مسجد مبني وغير مبني، فالأرض كلها لهم مسجد ما بني للصلاة فيه وما لم يبن، وهذا لا يمنع أن ينهى عن الصلاة في أماكن خاصة من الأرض ; لمعنى يختص بها غير كونها غير مسجد مبني للصلاة فيه.
وهذا يرجع إلى أن العموم إذا سيق لمعنى خاص عم ما سيق له من ذلك المعنى دون غيره مما لم يسق الكلام له، ومن الناس من يأخذ بعموم اللفظ، والأظهر الأول. والله أعلم.
وليس هذا كتخصيص العموم بسببه الخاص، فإن الشارع قد يريد بيان حكم عام يدخل فيه السبب وغيره، بخلاف ما إذا ظهر أنه لم يرد من العموم إلا معنى خاصا سيق له الكلام، فإنه يظهر أن غير ما سيق له غير مراد من عموم كلامه. والله أعلم.
وقد زعم بعضهم أن عموم قوله: " جعلت لي الأرض مسجدا " لا يصح الاستثناء منه ; لأنه وقع في " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : " جعلت لي الأرض كلها مسجدا ". قال: وتأكيد العموم بـ "كل" ينفي الاستثناء منه ; لأن التأكيد ينفي المجاز، والعام المستثنى منه يصير مجازا.
وقوله: " إن العام المستثنى منه يصير مجازا " فممنوع، بل هو حقيقة فيما عدا المستثنى منه عند أصحابنا وغيرهم.
[ ص: 446 ] وأيضا ; فالعموم المؤكد بـ "كل" يصح الاستثناء منه بغير خلاف، فلو قال: نسائي كلهن طوالق إلا فلانة، فإنه مثل قوله: كل امرأة لي طالق إلا فلانة، أو كل عبد لي حر إلا فلانا، والاستثناء صحيح في الكل، ولو استثنى ذلك بقلبه من غير تلفظ به ففي صحته روايتان عن أحمد، حكاهما ابن أبي موسى وغيره.