وقد روي في هذا الحديث زيادة ، وهي : ( الصلاة في أول وقتها ) ، وقد خرجها nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في " صحيحيهما " nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني من طرق متعددة .
ورويت من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16553عثمان بن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول ، [و] من حديث علي بن حفص المدائني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، ورويت عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة من وجه آخر ، وفيه نظر ، ورويت من وجوه أخر .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وفي إسناده اضطراب - : قاله nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14798والعقيلي .
وقد روي نحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، إلا أن إسناده وهم ، وإنما هو حديث [ ص: 41 ] أم فروة - : قاله nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في " العلل " .
وروي نحوه من حديث الشفاء بنت عبد الله .
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الصلاة على وقتها - أو على مواقيتها ) : دليل - أيضا - على فضل أول الوقت للصلاة ; لأن " على " للظرفية ، كقولهم : ( كان كذا على عهد فلان ) ، والأفعال الواقعة في الأزمان المتسعة عنها لا تستقر فيها ، بل تقع في جزء منها ، لكنها إذا وقعت في أول ذلك الوقت فقد صار الوقت كله ظرفا لها حكما .
ولهذا سمي المصلي مصليا في حال صلاته وبعدها إما حقيقة أو مجازا على اختلاف في ذلك ، وأما قبل الفعل في الوقت فليس بمصل حقيقة ولا حكما ، وإنما هو مصل بمعنى استباحة الصلاة فقط ، فإذا صلى في أول الوقت فإنه لم يسم مصليا إلا في آخر الوقت .
وقوله : ( ثم بر الوالدين ) لما كان nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود له أم احتاج إلى ذكر بر والديه بعد الصلاة ; لأن الصلاة حق الله وحق الوالدين متعقب لحق الله عز وجل ، كما قال تعالى : أن اشكر لي ولوالديك
وقوله : ( ثم الجهاد في سبيل الله ) ; لأن الجهاد فرض كفاية ، والدخول فيه بعد قيام من سقط به حق فرض الكفاية تطوع إذا لم يتعين بحضور العدو ، ولهذا تقدم بر الوالدين على الجهاد إذا لم يتعين ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن أراد أن يجاهد معه : nindex.php?page=hadith&LINKID=663964 ( ألك والدان ؟ ) قال : نعم . [قال] : ( ففيهما فجاهد ) - وفي رواية : ( فأمره أن يرجع إليهما ) .
فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود أن أفضل الأعمال القيام بحقوق الله التي فرضها على عباده فرض ، وأفضلها : الصلاة لوقتها ، ثم القيام بحقوق عباده ، وآكده [ ص: 42 ] بر الوالدين ، ثم التطوع بأعمال البر ، وأفضلها الجهاد في سبيل الله .
وهذا مما يستدل به nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ومن وافقه على أن أفضل أعمال التطوع الجهاد .
ولم يذكر في هذين الحديثين الصلاة ولا بر الوالدين ، وروي نصوص أخر بأن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا ، وروي ما يدل على أن أفضل الأعمال ذكر الله عز وجل ، وجاء ذلك صريحا عن جماعة كثيرة من الصحابة - رضي الله عنهم - .
قيل : هذا مما أشكل فهمه على كثير من الناس ، وذكروا في توجيهه والجمع بين النصوص الواردة به وجوها غير مرضية .
فمنهم من قال : أراد بقوله : " أفضل الأعمال كذا " أي : أن ذلك من أفضل الأعمال ، لا أنه أفضلها مطلقا .
وهذا في غاية البعد .
ومنهم من قال : أجاب كل سائل بحسب ما هو أفضل الأعمال له خاصة كما خص nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بذكر الوالدين لحاجته إليه ، ولم يذكر ذلك لغيره .
لكن nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة كانت له أم - أيضا .
[ ص: 43 ] وظهر لي في الجمع بين نصوص هذا الباب ما أنا ذاكره بحمد الله وفضله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فنقول :
لا ريب أن أفضل الأعمال ما افترضه الله على عباده ، كما ذكرنا الدليل عليه في أول الكلام على هذا الحديث ، وأولى الفرائض الواجبة على العباد وأفضلها الإيمان بالله ورسوله ، تصديقا بالقلب ، ونطقا باللسان ، وهو النطق بالشهادتين ، وبذلك بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر بالقتال عليه ، وقد سبق ذلك مبسوطا في " كتاب الإيمان " .
ثم بعد ذلك : الإتيان ببقية مباني الإسلام الخمس التي بني عليها ، وهي : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر من يبعثه يدعو إلى الإسلام أن يدعو أولا إلى الشهادتين ، ثم إلى الصلاة ، ثم إلى الصيام ، ثم إلى الزكاة ، كما أمر بذلك nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن ، وكان يعلم من يسأله عن الإسلام مبانيه الخمس ، كما في حديث سؤال جبريل عليه السلام له عن الإسلام ، وكما في حديث طلحة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم الأعرابي الذي سأله عن الإسلام المباني .
فإذا تقرر هذا ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة لما سئل : nindex.php?page=hadith&LINKID=651422أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ورسوله ) فهذا وجه ظاهر ، لا إشكال فيه ; فإن الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال مطلقا ، وسمى الشهادتين مع التصديق بهما عملا ، لما في ذلك من عمل القلب واللسان .
وقد قرر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ذلك في " كتاب الإيمان " وسبق الكلام عليه في موضعه .
فالإيمان بالله ورسوله : التصديق بهما في القلب مع الإقرار بذلك باللسان . والجهاد هو دعاء الناس إلى ذلك بالسيف والسنان ، بعد دعائهم بالحجة والبيان ، ولهذا يشرع الدعاء إلى الإسلام قبل القتال .
وقد قيل : إن الجهاد كان في أول الإسلام فرض عين على المسلمين كلهم ، لا يسع أحدا التخلف عنه ، كما قال تعالى : انفروا خفافا وثقالا ثم بعد ذلك رخص لأهل الأعذار ، ونزل قوله : وما كان المؤمنون لينفروا كافة روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره ، وحينئذ فيحتمل جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأعمال بعد الإيمان الجهاد معنيين :
أحدهما : أن يقال : إنما كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين ، فكان حينئذ أفضل الأعمال بعد الإيمان ، وقرينا له ، فلما نزلت الرخصة وصار الجهاد فرض كفاية تأخر عن فرض الأعيان .
وقد اختلف nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص في عد الجهاد من فرائض الإسلام ، فعده nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو منها بعد الحج ، وأنكر ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عليه ، وقال : فرائضه تنتهي إلى الحج .
وقد روى اختلافهما في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد في " كتاب الناسخ والمنسوخ " وغيره .
وعد nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان الجهاد من سهام الإسلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأضافهما إلى مباني الإسلام الخمس ، وجعلها ثمانية سهام ، وكأنه [ ص: 45 ] جعل الشهادتين سهمين .
والثاني - وهو أشبه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سئل عن أفضل الأعمال ، فتارة يذكر الإيمان بالله ورسوله لدخوله في مسمى الأعمال ، كما سبق تقريره ، وتارة يذكر أعمال الجوارح ; لأن المتبادي إلى الفهم عند ذكر الأعمال مع الإطلاق أعمال الجوارح ، دون عمل القلب واللسان ، فكان إذا تبين له أن ذلك هو مراد السائل ذكر الصلاة له ، كما ذكرها في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هذا ; فإن الصلاة أفضل أعمال الجوارح ، وحيث أجاب بذكر الإيمان أو بذكر الصلاة ، فإنما مقصوده التمثيل بأفضل مباني الإسلام ، ومراده المباني بجملتها ; فإن المباني الخمس كالشيء الواحد ، وكل من دخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين أو بالصلاة - على رأي من يرى فعلها إسلاما - ، فإنه يؤمر ببقية المباني ، ويلزم بذلك ، ويقاتل على تركه .
وفي حديث آخر : ( الدين خمس لا يقبل الله منهن شيئا دون شيء ) - فذكر مباني الإسلام الخمس ، وأن من أتى ببعضها دون بعض لم يقبل منه .
ونفي القبول لها بمعنى نفي الرضا بذلك واستكمال الثواب عليه ، وحينئذ [ ص: 46 ] فذكر بعض المباني مشعر بالباقي منها ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تارة يكتفي في جواب من سأله عن أفضل الأعمال بالشهادتين ، وتارة بالصلاة ، ومراده في كلا الجوابين سائر المباني ، لكنه خص بالذكر أشرفها ، فكأنه قال : الشهادتان وتوابعهما ، والصلاة وتوابعها ولوازمها ، وهو بقية المباني الخمس .
فتوهم طائفة من الصحابة أن مراده أن مجرد هذه الكلمة يعصم الدم حتى توقفوا في قتال من منع الزكاة ، حتى بين لهم أبو بكر - ورجع الصحابة إلى قوله - : أن المراد : الكلمتان بحقوقهما ولوازمهما ، وهو الإتيان ببقية مباني الإسلام .
وقد تبين صحة قولهم بروايات أخر تصرح بإضافة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلى الشهادتين في شرط عصمة الدم .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قال : لا إله إلا الله لم تمسه النار - أو دخل الجنة ) .
إنما أراد الشهادتين بلوازمهما وتوابعهما ، وهو الإتيان ببقية أركان الإسلام ومبانيه .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قدم بر الوالدين على الجهاد إشارة إلى أن حقوق العباد اللازمة التي هي من فروض الأعيان تقدم على التطوع بالجهاد .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر فيهما اقتران الجهاد بالإيمان ، لكنه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة جعله بعد الإيمان ، وجعل بعده الحج المبرور ، فيحتمل أن يقال : [ ص: 47 ] كان ذلك في زمان كان الجهاد فيه فرض عين ، فكان مقدما على الحج ، ويحتمل أن يقال : قد فهم دخول الحج من ذكر الإيمان بالله ورسوله ; لأن ذلك يتبعه بقية مباني الإسلام ، ومنها الحج ، لا سيما وقد تقرر في أول الكتاب أن الإيمان قول وعمل ويكون المراد به جهاد المتطوع .
وهذا أشبه بقواعد الشريعة ; فإن من معه مال ، وعليه زكاة أو حج ، وأراد التطوع بالجهاد ، فإنه لا خلاف أنه يقدم الزكاة والحج على التطوع بالجهاد ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص : حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات ، وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات .
وروي - مرفوعا - من وجوه في أسانيدها مقال .
فتبين بهذا التقرير أن الأحاديث كلها دالة على أن أفضل الأعمال الشهادتان مع توابعهما ، وهي بقية مباني الإسلام ، أو الصلاة مع توابعها - أيضا - من فرائض الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل ، ثم يلي ذلك في الفضل حقوق العباد التي هي من فروض الأعيان ، كبر الوالدين ، ثم بعد ذلك [أعمال] التطوع المقربة إلى الله ، وأفضلها الجهاد .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة تأخير الحج عن الجهاد ، ولعله إنما ذكره بعد الجهاد حيث كان الحج تطوعا ، فإن الصحيح أن فرضه تأخر إلى عام الوفود .
وقد يقال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة دل على أن جنس الجهاد أشرف من جنس الحج ، فإن عرض للحج وصف يمتاز به على الجهاد وهو كونه فرض عين ، كان ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد ، وإلا فالجهاد أفضل منه .
وليس الذكر مما يقطع عن غيره من الأعمال كبقية الأعمال ، بل يمكن اجتماع الذكر مع سائر الأعمال ، فمن عمل عملا صالحا ، وكان أكثر لله ذكرا فيه من غيره فهو أفضل ممن عمل مثل ذلك العمل من غير أن يذكر الله معه .
وقد ورد في نصوص متعددة أن أفضل المصلين والمتصدقين والمجاهدين والحاج وغيرهم من أهل العبادات أكثرهم لله ذكرا .
وقد خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد متصلا ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وغيره مرسلا .
فهؤلاء أفضل الناس عند الله ، ثم يليهم الذين يذكرون الله كثيرا وليس لهم نوافل من غير الذكر كالجهاد وغيره ، بل يقتصرون مع الذكر على فرائض الأعيان ، [ ص: 49 ] فهؤلاء هم الذاكرون لله كثيرا ، المفضلون على المجاهدين ، ويليهم قوم يقومون بالفرائض وبالنوافل كالجهاد وغيره من غير ذكر كثير لهم .
وأما الذاكرون لله كثيرا ، فإنما فضلوا على المجاهدين بغير ذكر ; لأن لهم عملا مستمرا دائما قبل جهاد المجاهدين ، ومعه وبعده ، فبذلك فضلوا على المجاهدين بغير ذكر كثير .
وبهذا تجتمع النصوص الواردة في ذلك .
وأما حديث : ( خير الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام ) فقد سبق الكلام عليه في أول الكتاب ، وأنه ليس المراد به تفضيل هاتين الخصلتين على سائر خصال الإسلام من الشهادتين والصلاة وغيرهما ، بل المراد أن أفضل أهل الإسلام القائمين بخصاله المفروضة من الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج ، من قام بعد ذلك بإطعام الطعام وإفشاء السلام .
فإن قيل : فيكون التطوع بذلك أفضل من التطوع بالجهاد والحج .
قيل : فيه تفصيل : فإن كان إطعام الطعام فرض عين كنفقة من تلزم نفقته من الأقارب فلا ريب أنه أفضل من التطوع بالنفقة في الجهاد والحج ، فإن كان تطوعا ، فإن كان صلة رحم فهو أفضل من الجهاد والحج ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وكذا إن كان في عام مجاعة ونحوها ، فهو أفضل من الحج عند nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، [ ص: 50 ] وقد يقال في الجهاد كذلك إذا لم يتعين .
وهذا الكلام كله في تفضيل بعض الأعمال على بعض لذاتها ، فأما تفضيل بعض الأعمال على بعض لزمانها أو مكانها فإنه قد يقترن بالعمل المفضول من زمان أو مكان ما يصير به فاضلا ، فهذا فيه كلام آخر نذكره في موضع آخر - إن شاء الله سبحانه وتعالى .