قد سبق القول مبسوطا في حبوط العمل بترك بعض الفرائض وارتكاب بعض المحارم في " كتاب الإيمان " ، وبينا أن أكثر السلف والأمة على القول بذلك ، وإمرار الأحاديث الواردة فيه على ما جاءت من غير تعسف في تأويلاتها ، وبينا أن العمل إذا أطلق لم يدخل فيه الإيمان وإنما يراد به أعمال الجوارح ، وبهذا فارق قول السلف قول الخوارج ; فإنهم أحبطوا بالكبيرة الإيمان [والعمل] ، وخلدوا بها في النار ، وهذا قول باطل .
وأما المتأخرون فلم يوافقوا السلف على ما قالوه ، فاضطربوا في تأويل هذا الحديث وما أشبهه ، وأتوا بأنواع من التكلف والتعسف .
ومنهم من قال : إنما يحبط العمل الذي هو تلك الصلاة التي تركها فيفوته أجرها ، وهذا هو الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر .
وهو من أضعف الأقوال ، وليس في الإخبار به فائدة :
ومنهم من حمل هذا الحديث على أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فإنه يصير بذلك كافرا مرتدا ، كما يقول ذلك من يقوله ممن يرى أن [ ص: 124 ] ترك الصلاة كفر .
وهذا يسقط فائدة تخصيص العصر بالذكر ، فإن سائر الصلوات عنده كذلك .
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وأبو قلابة لم يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء .
ورواه أبان بن أبي عياش - وهو متروك - ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحوه ، [ ص: 125 ] وقال : " فقد برئت منه ذمة الله عز وجل " .
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
ورواه - أيضا - عمرو بن واقد - وهو ضعيف - ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17421يونس بن ميسرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11811أبي إدريس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=17032ومحمد بن نصر المروزي .
وخرجه المروزي - أيضا - من طريق سيار بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن قوذر ، عن سلمة بن شريح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، وقال : " فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " تاريخه " : لا يعرف إسناده .
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وهو منقطع ; nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول لم يلق nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن .
ورواه غير واحد ; عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16956محمد بن راشد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول ، عن رجل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 126 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : وأبنا شيخ من أهل الشام ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول ، قال : ومن برئت منه ذمة الله فقد كفر .
ورواه أبو فروة الرهاوي - وفيه ضعف - ، عن أبي يحيى الكلاعي ، عن جبير بن نفير ، عن أميمة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي .
وذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=14327محمد بن يحيى الذهلي ، أنه قال : هذه هي nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن ، فقال أبو فروة : أميمة - يعني : أنه أخطأ في تسميتها .
فأسانيد هذا الحديث كلها غير قوية .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة فصحيح ، وقد رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير : nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، فأما هشام فرواه كما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من طريقه ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي فخالفه في إسناده ومتنه .
أما إسناده : فقيل فيه : عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : حدثني يحيى ، وثني nindex.php?page=showalam&ids=12134أبو قلابة : حدثني أبو المهاجر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة .
وخرجه من هذا الوجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
وقال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية مهنا : هو خطأ من nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، والصحيح حديث nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي . وذكر - أيضا - أن أبا المهاجر لا أصل له ، إنما هو أبو المهلب عم nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة ، كان nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي يسميه أبا المهاجر خطأ ، وذكره في هذا الإسناد من أصله خطأ ، فإنه ليس من روايته ، إنما هو من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11915أبي المليح ، وكذا قاله الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية ابنه عبد الله .
[ ص: 127 ] وقيل : عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11915أبي المليح ، كما رواه هشام ، عن يحيى .
وخرجه من هذا الوجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في " صحيحه " .
وقيل : عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن يحيى ، عن ابن بريدة .
وقيل : عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ، بغير واسطة بينهما .
وهذا كله مما يدل على اضطراب nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي فيه ، وعدم ضبطه .
فلم يرفع منه غير هذا القدر ، وجعل الذين كانوا معه في الغزوة في يوم الغيم ، والذي أمر بالتكبير بصلاة العصر هو nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ، وهو الصحيح .
واللفظ الذي رواه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي لو كان محفوظا لكان دليلا على تأخير العصر في غير يوم الغيم ، ولكنه وهم .
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة فيما بعد وبوب عليه : " باب : التبكير بالصلاة في يوم غيم " ، ثم خرج فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ، عن معاذ بن فضالة ، عن [ ص: 128 ] هشام ، فذكره كما خرجه هاهنا ، غير أنه لم يذكر : " في غزوة " ، وقال فيه : عن nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة : " بكروا بالصلاة " ، ولم يقل : " صلاة العصر " .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : جعل الترجمة لقول nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ، لا لما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان حق هذه الترجمة أن يكون الحديث المقرون بها ما فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بتعجيل العصر في اليوم الغيم .
ثم ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي بإسناده ولفظه ، ثم قال : فإن كان هذا الإسناد لا يصح عنده كان ترك هذه الترجمة أولى .
وإنما أراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قول nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة في يوم غيم : " بكروا بالصلاة " ، ولهذا ساق الرواية التي فيها ذكر الصلاة ، ولم يسقه كما ساقه في هذا الباب بتخصيص صلاة العصر ، يشير إلى أنه يستحب في الغيم التبكير بالصلوات والقول بالتبكير لجميع الصلوات في يوم الغيم مما لا يعرف به قائل من العلماء ، ولم يرد nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ذلك إنما أراد صلاة العصر خاصة ، ولا يقتضي القياس ذلك ، فإن التبكير بالصلوات في الغيم مطلقا يخشى منه وقوع الصلاة قبل الوقت ، وهو محذور ، والأفضل أن لا يصلي الصلاة حتى يتيقن دخول وقتها .
فإن غلب على ظنه ، فهل يجوز له الصلاة حينئذ ، أم لا ؟ فيه قولان :
أحدهما : أنه جائز ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأكثر أصحابنا .
والثاني : لا يجوز حتى يتيقن ، وهو وجه لأصحابنا وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
واستدل الأولون : بأن جماعة من الصحابة صلوا ثم تبين لهم أنهم صلوا قبل الوقت ، فأعادوا ، منهم : nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى ، وهذا يدل على أنهم صلوا عن اجتهاد ، وغلب على ظنهم دخول الوقت من غير يقين .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : شكوا في طلوع الفجر في عهد nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فأمر مؤذنه فأقام الصلاة .
[ ص: 129 ] خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة .
والمنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : أنه لا يصلي الظهر حتى يتيقن الزوال في حضر ولا سفر ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق في الظهر والمغرب والصبح ; لأن هذه الصلوات لا تجمع إلى ما قبلها .
ولكن وقع في كلام nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهما من الأئمة تسمية الظن الغالب يقينا ، ولعل هذا منه . والله أعلم .
وقد اختلف العلماء في الصلاة في يوم الغيم:
فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ويحتاط ويتوخى أن يصلي بعد الوقت أو يحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف خروج الوقت . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق نحوه .
ولا يستحب عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي التأخير في الغيم مع تحقق دخول الوقت ، إلا في حال يستحب التأخير في الصحو كشدة الحر ونحوه .
وحكى بعض أصحابنا مثل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، وحكاه - أيضا - رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رواية باستحباب تأخير الصلوات كلها مع الغيم .
وقالت طائفة : يؤخر الظهر ويعجل العصر ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء مع الغيم ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وحكي - أيضا - عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، ونقله ابن منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق .
[ ص: 130 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر ، ويؤخر المغرب في يوم الغيم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : روينا عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، أنه قال : إذا كان يوم الغيم فعجلوا العصر وأخروا الظهر .
قال أصحابنا : يستحب ذلك مع تحقق دخول الوقت .
واختلفوا في تعليل ذلك :
فمنهم من علل بالاحتياط لدخول الوقت ، ولو كان الأمر كذلك لاستوت الصلوات كلها في التأخير .
ومنهم من علل بأن يوم الغيم يخشى فيه وقوع المطر ، ويكون فيه ريح وبرد غالبا ، فيشق الخروج إلى الصلاتين المجموعتين في وقتين ، فإذا أخر الأولى وقدم الثانية خرج لهما خروجا واحدا ، فكان ذلك أرفق به ، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى وأصحابه .
واختلفوا : هل يختص ذلك بمن يصلي جماعة ، أو تعم الرخصة من يصلي وحده ؟ وفيه وجهان :
ومن المتأخرين من قال : المعنى في تأخير الأولى من المجموعتين في يوم الغيم وتعجيل الثانية : أن تعجيل الأولى منهما عن الوقت غير جائز ، وتعجيل الثانية جائز في حال الجمع ، والجمع يجوز عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد للأعذار ، والاشتباه في الوقت نوع عذر ; فلهذا استحب تأخير الأولى حتى يتيقن دخول الوقت دون الثانية ، فهذا احتياط للوقت لكن مع وقوع الصلاة في الوقت المشترك فكان أولى .
وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أن المسافر حال اشتباه الوقت عليه في الصحو - أيضا - يؤخر الظهر ويعجل العصر ; لهذا المعنى ، وهو يدل على أن التفريق بين [ ص: 131 ] المجموعتين في وقت الأولى لا يضر وأن نية الجمع لا تشترط ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في أول " أبواب المواقيت " .
ويدل - أيضا - على أنه يجوز تعجيل الثانية من المجموعتين ، وإن لم يتيقن دخول وقتها ، ويستحب تأخير الأولى منهما حتى يتيقن دخول وقتها في السفر والغيم ، وهذا أشبه بكلام nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
ومن أصحابنا من استحب تأخير الظهر وتعجيل العصر في الغيم دون المغرب لما في تأخيرها من الكراهة ; فإن وقتها مضيق عند كثير من العلماء ، والمنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد خلافه .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، قال : إذا كان يوم الغيم فعجلوا الظهر والعصر ، وأخروا المغرب والإفطار .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خثيم إذا كان يوم غيم قال لمؤذنه : أغسق ، أغسق - يعني : أخر حتى يظلم الوقت .
وروي استحباب التبكير بالصلاة في اليوم الغيم من وجوه :
فخرج nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة " بإسناد فيه ضعف عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - مرفوعا - ، قال : " أربع من كن فيه بلغ حقيقة الإيمان " - فذكر منها - : " ابتدار الصلاة في اليوم الدجن " .
[ ص: 132 ] وخرج nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب في " مسنده " بإسناد ضعيف - أيضا - ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء - مرفوعا - ، قال : " تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من حقيقة الإيمان " .
وروى ابن سعد في " طبقاته " بإسناده ، أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصى ابنه عند موته بخصال الإيمان ، وعد منها : تعجيل الصلاة في يوم الغيم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير : ست من كن فيه فقد استكمل الإيمان ، فذكر منها : التبكير بالصلاة في اليوم الغيم .