وقد جاءت نصوص أخر بإباحة الإغارة ، وموضع ذكر ذلك " كتاب الجهاد " إن شاء الله .
ومنها : التفاؤل ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رآهم خرجوا بالمكاتل - وهي : الزبيل والقفاف - والمساحي - وهي : المجرفة - وهذه آلات الحراث ، ووقع الأمر كذلك .
[ ص: 440 ] ويحتمل أن يكون سر ذلك أن التكبير طارد لشيطان الجن تقارنهم ، فإذا انهزمت شياطينهم المقترنة بهم انهزموا ، كما جرى للمشركين يوم بدر ، فإن إبليس كان معهم يعدهم ويمنيهم ، فلما انهزم انهزموا .
وقولهم : " محمد والخميس " ، فيه روايتان : الخميس ، والجيش ، وهما بمعنى واحد .
وسمي الجيش خميسا ؛ لأنه ينقسم خمسة أجزاء : مقدمة ، وساقة ، وميمنة ، وميسرة ، وقلب .
وفي هذا دليل على أن إقامة الصلاة توجب الحكم بالإسلام ؛ فإن الأذان إنما هو دعاء إلى الصلاة ، فإذا كان موجبا للحكم بالإسلام ، فالصلاة التي هو المقصود الأعظم أولى .
ولا يقال : إنما حكم بإسلامهم بالأذان لما فيه من ذكر الشهادتين ؛ لأن الصلاة تتضمن ذلك - أيضا - فإذا رأينا من ظاهره يصلي - ولا سيما في دار الحرب أو دار لم يعلم أنها دار إسلام - حكمنا بإسلامه لذلك . وهو قول كثير من العلماء ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وقال : حسن غريب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : إسناد مجهول ، وابن عصام لا يعرف ، ولا ينسب أبوه .
وروى الهرماس بن حبيب العنبري ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن حين أسلم الناس ودجا الإسلام على الناس ، فهجم على بني عدي بن جندب فوق النباح بذات الشقوق ، فلم يسمعوا أذانا عند الصبح ، فأغاروا عليهم ، فأخذوا أموالهم حتى أحضروها المدينة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقالت وفود بني العنبر : أخذنا يا رسول الله مسلمين غير مشركين . فرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذراريهم وعقار بيوتهم ، وعمل الجيش أنصاف الأموال .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث " وأبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : إنما رد عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذراريهم ؛ لأنه لم ير أن يسبيهم إلا على أمر صحيح لا شك فيه ، وهؤلاء مقرون بالإسلام ، وليس حجة من سباهم ، إلا أنهم قالوا : لم نسمع أذانا . وكذلك فعل في عقار بيوتهم - يريد : [ ص: 442 ] أرضهم - وعمل الجيش جعالة عمالة لهم أنصاف الأموال ؛ وذلك لأن أصحاب الجيش ادعوا أن ذلك فيئا لهم ؛ لأنهم لم يسمعوا أذانا ، والمأخوذ منهم ادعوا أنه لهم ؛ أسلموا عليه .
ثم روى nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أناس من خثعم ، فاستعصموا بالسجود ، فقتل منهم رجل ، فأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نصف الدية .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : لا ، لم يقروا بالإسلام ، وإنما سجدوا ، وقد يسجد ولم يسلم ، فلذلك أعطاهم نصف الدية .
قلت : هذا حديث مرسل .
والذين يقولون : إن الكافر يصير مسلما بالصلاة ، فصلاته عندهم كإقراره بالإسلام .
وذكر - أيضا - حديث الزبيب العنبري ، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في " سننه " ، وفيه : أنهم سبوا ، ثم شهد لهم شاهد بالإسلام ، وحلف الزبيب ، فأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذراري ونصف الأموال .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : لأنه لم تكمل البينة .
قلت : في سياق حديث nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : " لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عقالا " .
وهذا تعليل بغير ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي .
وحاصل الأمر : أن الدار إن سمع فيها أذان لم يجز الإقدام على قتلهم ابتداء ، بل يصيرون في عصمة دمائهم وأموالهم كالمسلمين ؛ فإن الأذان وإن [ ص: 443 ] كان لم يسمع من بعضهم ، إلا أن ظهوره في دار قوم دليل على إقرارهم بذلك ورضاهم . فأما المؤذن نفسه فإنه يصير مسلما بذلك ، ولا سيما إذا كان في دار كفر وموضع لا يخاف فيه من المسلمين ولا يتقيهم .
وعند أصحابنا : أنه يصير الكافر بالأذان مسلما .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=15995وسعيد بن عبد العزيز . وقالا : لو ادعى أنه فعله تقية وخيفة على نفسه أنه لا يقبل منه ، ويصير مرتدا .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، أنه يقبل منه ذلك ولا يقتل .
ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة " .
[ ص: 444 ] فإن كانت معروفة قبل ذلك بأنها دار حرب جاز ابتداؤهم بالقتل والسبي والنهب ، هذا هو الذي دل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المخرج في هذا الباب .
وإن كانت معروفة بأنها دار إسلام ، ولم يسمع فيها أذان ، فهذه مسألة قتال أهل البلدة المسلمين إذا اتفقوا على ترك الأذان .
أحدهما : أنه فرض كفاية ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقول داود ، ووافقهم جماعات من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأهل الظاهر : إن الأذان فرض .
وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث مالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة الجرمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 445 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، قال : إذا ترك الأذان مسافر عمدا أعاد الصلاة .
وهذا غريب جدا .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر نحوه عن داود .
ونقل ابن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق ، قال : إذا نسي الأذان والإقامة وصلى أجزأه ، وإن كان في السفر فلا بد له من الإقامة .
والقول الثاني : أن الأذان سنة مؤكدة ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
فمن قال : الأذان فرض كفاية ، قال : إذا اجتمع أهل بلد على تركه قوتلوا عليه حتى يفعلوه .
ومن قال : هو سنة ، اختلفوا على قولين :
أحدهما : أنهم يقاتلون عليه - أيضا - لأنه من أعلام الدين وشرائعه الظاهرة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن وطائفة من الشافعية .
والثاني : لا يقاتلون عليه كسائر النوافل ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وطائفة من الشافعية .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : آمرهم وأضربهم ، ولا أقاتلهم ؛ لأنه دون الفرائض وفوق النوافل .
واستدل بعض من قال : يقاتلون على تركه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس هذا ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأذان مانعا من القتال ، وتركه مبيحا له ، فدل على استباحة القتال بمجرد تركه ، وإن جاز أن يكونوا قد أسلموا .