مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وقبل غروبها)؛ أي: قبل غروب الشمس، والصلاة في هذا الوقت هي صلاة العصر، ولو قال: باب فضل صلاة الفجر والعصر لكان أولى؛ لأن المذكور في الحديث والآية - صلاة الفجر والعصر كلتاهما.
وقال بعضهم: باب فضل صلاة العصر؛ أي: على جميع الصلوات إلا الصبح، (قلت): هذا التقدير فيه تعسف، ولأن جميع الصلوات مشتركة في الفضل غاية ما في الباب أن لصلاتي الفجر والعصر مزية على غيرهما، وإنما خصص العصر بالذكر للاكتفاء، كما في قوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر أي: والبرد أيضا. وقيل: إنما خص العصر؛ لأن في وقته ترتفع الأعمال وتشهد فيه ملائكة الليل؛ ولهذا ذكر في الحديث، فإن استطعتم... الحديث، (قلت): وفي الفجر أيضا تشهد فيه ملائكة النهار، والأوجه في الجواب ما ذكرته الآن.
وقال بعضهم: ويحتمل أن يكون المراد أن العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية، (قلت): كل الصلوات ذوات فضيلة، والترجمة أيضا تنبئ عن ذلك.
(ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي بضم الحاء المهملة واسمه عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد، ونسبته إلى جده حميد القرشي المكي، مات سنة تسع عشرة ومائتين. الثاني nindex.php?page=showalam&ids=17070مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري مات بدمشق سنة ثلاث وتسعين ومائة قبل التروية بيوم فجأة. الثالث nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد بالخاء المعجمة. الرابع nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم بالحاء المهملة. الخامس جبير بن عبد الله بن جابر البجلي - رضي الله تعالى عنه.
(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول ووقع عند أبي مردويه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس، عن nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير، وفيه ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي بنسبته إلى أحد أجداده وأنه من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وفيه أن رواته ما بين مكي وكوفي، وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما إسماعيل وقيس، وفيه أن أحد الرواة من المخضرمين، وهو قيس فإنه قدم المدينة بعدما قبض النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مات سنة أربع وثمانين - رضي الله تعالى عنه.
(ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا، عن nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد، عن يحيى بن سعيد في الصلاة أيضا، وأخرجه في التفسير، عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن إبراهيم، عن nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير، وفي التوحيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون، عن خالد nindex.php?page=showalam&ids=17249وهشيم، وعن nindex.php?page=showalam&ids=17409يوسف بن موسى، عن عاصم، وعن عبدة بن عبد الله، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الصلاة، عن nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب، عن مروان به، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16421عبد الله بن نمير وأبي أسامة nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع، ثلاثتهم، عن إسماعيل به، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في السنة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع وأبي أسامة به، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، عن يحيى بن كثير، وعن nindex.php?page=showalam&ids=17381يعقوب بن إبراهيم، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في السنة، عن nindex.php?page=showalam&ids=13608محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع، وعن علي بن محمد، عن خالد ويعلى بن عبيد nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع وأبي معاوية، أربعتهم عن إسماعيل به.
(ذكر معناه) قوله: (ليلة) قال الكرماني : الظاهر أنه من باب تنازع الفعلين عليه، (قلت): الظاهر أن ليلة، نصب على الظرفية والتقدير: نظر إلى القمر في ليلة من الليالي وهذه الليلة كانت ليلة البدر، وبه صرح في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وسنذكر اختلاف الروايات فيه. قوله: (لا تضامون) روي بضم التاء وبتخفيف الميم من الضيم، وهو التعب، وبتشديدها من الضم [ ص: 42 ] وبفتح التاء وتشديد الميم، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: يروى على وجهين: أحدهما مفتوحة التاء مشددة الميم، وأصله: تتضامون، حذفت إحدى التاءين؛ أي: لا يضام بعضكم بعضا، كما تفعله الناس في طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عنده يريد أن كل واحد منهم، وادع مكانه لا ينازعه في رؤيته أحد، والآخر لا تضامون من الضيم؛ أي: لا يضيم بعضكم بعضا في رؤيته.
وقال التيمي: لا تضامون بتشديد الميم، مراده: أنكم لا تختلفون إلى بعض فيه حتى تجتمعوا للنظر، وينضم بعضكم إلى بعض، فيقول واحد: هو ذاك، ويقول الآخر: ليس ذاك، كما تفعله الناس عند النظر إلى الهلال أول الشهر، وبتخفيفها، معناه: لا يضيم بعضكم بعضا، بأن يدفعه عنه، أو يستأثر به دونه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: أي لا يقع لكم في الرؤية ضيم، وهو الذل، وأصله: تضيمون، فألقيت حركة الياء على الضاد، فصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: لا تضامون بضم التاء المثناة من فوق، وتخفيف الميم، وعليه أكثر الرواة، والمعنى: لا ينالكم ضيم، والضيم أصله: الظلم، وهذا الضيم يلحق الرائي من وجهين: أحدهما من مزاحمة الناظرين له؛ أي: لا تزدحمون في رؤيته، فيراه بعضكم دون بعض، ولا يظلم بعضكم بعضا. والثاني: من تأخره عن مقام الناظر المحقق، فكأن المتقدمين ضاموه، ورؤية الله عز وجل يستوي فيها الكل، فلا ضيم ولا ضرر ولا مشقة، وفي رواية: لا تضامون، أو لا تضاهون؛ يعني: على الشك؛ أي: لا يشتبه عليكم وترتابون، فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته. وقيل: لا تشبهونه في رؤيته بغيره من المرئيات، وروي: تضارون، بالراء المشددة والتاء مفتوحة ومضمومة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: معناهما: لا تتضارون؛ أي: لا يضار بعضكم بعضا في رؤيته بالمخالفة، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: هو تتفاعلون من الضرار؛ أي: لا تتنازعون وتختلفون، وروي أيضا: لا تضارون بضم التاء وتخفيف الراء؛ أي: لا يقع للمرء في رؤيته ضير ما بالمخالفة أو المنازعة، أو الخفاء، وروي: تمارون براء مخففة؛ يعني: تجادلون؛ أي: لا يدخلكم شك. قوله: (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بلفظ المجهول، وكلمة أن مصدرية والتقدير: أن لا تغلبوا؛ أي: من الغلبة بالنوم والاشتغال بشيء من الأشياء المانعة عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. قوله: (فافعلوا)؛ أي: الصلاة في هذين الوقتين، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بعد قوله: (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)؛ يعني: العصر والفجر، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13508ابن مردويه من وجه آخر، عن إسماعيل: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر.
وقال الكرماني : فإن قلت: ما المراد بلفظ افعلوا؛ إذ لا يصح أن يراد افعلوا الاستطاعة أو افعلوا عدم المغلوبية؟ قلت: عدم المغلوبية كناية عن الإتيان بالصلاة؛ لأنه لازم الإتيان، فكأنه قال: فأتوا بالصلاة فاعلين لها، انتهى. قلت: لو قدر مفعول افعلوا مثل ما قدرنا لكان استغنى عن هذا السؤال والجواب. قوله: (ثم قرأ) لم يبين فاعل قرأ من هو في جميع روايات nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقال بعضهم: الظاهر أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - (قلت): هذا تخمين وحسبان.
وقال الشيخ قطب الدين الحلبي في شرحه: لم يبين أحد في روايته من قرأ، ثم ساق من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم في مستخرجه أن جريرا قرأه، (قلت): وقع عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب، عن nindex.php?page=showalam&ids=17070مروان بن معاوية بإسناد هذا الحديث، ثم قرأ nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير؛ أي: الصحابي، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12118أبو عوانة في (صحيحه) من طريق يعلى بن عبيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد، فالعجب من الشيخ قطب الدين كيف ذهل عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة إلى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . قوله: (فسبح)، التلاوة: (وسبح) بالواو لا بالفاء، المراد بالتسبيح: الصلاة. قوله: (افعلوا)؛ أي: افعلوا هذه الصلاة لا تفوتنكم، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الصلاة، وهو بنون التأكيد، وهو مدرج من كلام إسماعيل، وكذلك ثم قرأ مدرج.
(ذكر ما يستفاد منه) وهو على وجوه: الأول: استدل بهذه الأحاديث وبالقرآن وإجماع الصحابة ومن بعدهم على إثبات رؤية الله في الآخرة للمؤمنين، وقد روى أحاديث الرؤية أكثر من عشرين صحابيا.
وقال أبو القاسم: روى رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في القيامة أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وأبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة وأبو أمامة nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت وبريدة بن حصيب وجنادة بن أبي أمية وفضالة بن عبيد ورجل له صحبة بالنبي - عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر أحاديثهم بأسانيد غالبها جيد، وذكر أبو نعيم الحافظ في (كتاب تثبيت النظر) nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري وعمارة بن رؤيبة وأبا رزين العقيلي وأبا برزة، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري في كتاب الشريعة وأبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بأبي الشيخ في (كتاب السنة الواضحة) تأليفهما nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم الطائي بسند جيد والرؤية مختصة بالمؤمنين ممنوعة من الكفار. وقيل: يراه منافقو هذه الأمة وهذا ضعيف والصحيح أن المنافقين كالكفار باتفاق العلماء، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة: nindex.php?page=hadith&LINKID=664846من أهل الجنة من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية.
ولأهل السنة ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقوله تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فهذا يدل على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين، والجواب عن قوله تعالى: لا تدركه الأبصار أن المراد من الإدراك الإحاطة، ونحن أيضا نقول به، وعن قوله: لن تراني أنا لا نسلم أن لن تدل على التأبيد؛ بدليل قوله تعالى: ولن يتمنوه أبدا مع أنهم يتمنونه في الآخرة، وعن قوله: وما كان لبشر الآية، أن الوحي كلام يسمع بالسرعة، وليس فيه دلالة على كون المتكلم محجوبا عن نظر السامع أو غير محجوب عن نظره، وعن قوله تعالى: وإذ قلتم يا موسى الآية، أن الاستعظام لما لا يجوز أن يكون لأجل طلبهم الرؤية على سبيل التعنت والعناد؛ بدليل الاستعظام في نزول الملائكة في قوله: لولا أنزل علينا الملائكة ولا نزاع في جواز ذلك، والجواب عن قولهم: لو صحت رؤية الله تعالى إلخ أن عدم الوقوع لا يستلزم عدم الجواز، فإن قالوا الرؤية لا تتحقق إلا بثمانية أشياء: سلامة الحاسة وكون الشيء بحيث يكون جائز الرؤية، وأن يكون المرئي مقابلا للرائي أو في حكم المقابل، فالأول كالجسم المحاذي للرائي، والثاني كالأعراض المرئية، فإنها ليست مقابلة للرائي؛ إذ العرض لا يكون مقابلا للجسم، ولكنها حالة في الجسم المقابل للرائي، فكان في حكم المقابل وأن لا يكون المرئي في غاية القرب ولا في غاية البعد، وأن لا يكون في غاية الصغر ولا في غاية اللطافة، وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، قلنا: الشرائط الستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها إلا في رؤية الأجسام، والله تعالى ليس بجسم؛ فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته، ولا يعتبر في حصول الرؤية إلا أمران: سلامة الحاسة وكونه بحيث يصح أن يرى، وهذان الشرطان حاصلان، فإن قلت: الكاف في كما ترون للتشبيه، ولا بد أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي، (قلت): معنى التشبيه فيه أنكم ترونه رؤية محققة لا شك فيها، ولا مشقة ولا خفاء، كما ترون القمر [ ص: 44 ] كذلك فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي.
الوجه الثاني فيه زيادة شرف الصلاتين، وذلك لتعاقب الملائكة في وقتيهما، ولأن وقت صلاة الصبح وقت لذة النوم، كما قيل:
ألذ الكرى عند الصباح يطيب
والقيام فيه أشق على النفس من القيام في غيره، وصلاة العصر وقت الفراغ عن الصناعات وإتمام الوظائف، والمسلم إذا حافظ عليها مع ما فيه من التثاقل والتشاغل، فلأن يحافظ على غيرها بالطريق الأولى.
الوجه الثالث: ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: إن قوله افعلوا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين.