صفحة جزء
6081 - (قال موسى يا رب كيف شكرك آدم؟ قال علم أن ذلك مني فكان ذلك شكره) (الحكيم) عن الحسن مرسلا.


(قال موسى) بن عمران (يا رب كيف شكرك آدم؟ فقال علم أن ذلك مني فكان ذلك شكره) ؛ أي: كان بمجرد هذه المعرفة شاكرا فإذن لا شكر إلا بأن تعترف بأن الكل منه وإليه وليس لغيره سوى مجرد مظهرية لما بين يديه [ ص: 502 ] فإن خالطك ريب في هذا لم تكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فهذا أصل أصيل إليه المرجع وعليه التعويل ذكره الغزالي، قال: وإنما يكون العبد شاكرا إذا كان لشروط الشكر جامعا ومنها أن يكون فرحه بالمنعم لا بالنعمة ولا بالإنعام ولعل هذا مما يتعذر عليك فهمه فتمثله فتقول: الملك الذي يريد السفر فأنعم على رجل بفرس يتصور أن يفرح به من حيث كونه مالا ينتفع به وهذا فرح بالفرس فقط ومن حيث إنه يستدل به على غاية عناية الملك به لا من حيث كونه فرسا فالأول لا يدخل فيه معنى الشكر؛ لأن فرحه بالفرس لا بالمعطي والثاني داخل في معنى الشكر من حيث كونه فرحا بالمنعم لا بالنعمة وقد أبان هذا الخبر عن استحالة الشكر شكرا وأن من لم يشكر؛ فقد شكر ومن نظر بعين التوحيد المحض عرف أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره وأن كل شيء هالك إلا وجهه؛ لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام وهذا محال أن يوجد إذ الوجود المحقق هو القائم بنفسه وليس له بنفسه قوام فليس له بنفسه وجود بل هو قائم بغيره فهو موجود بغيره، فإن اعتبر من حيث ذاته لم يكن له وجود البتة وإنما الموجود هو القائم بنفسه ومن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره فهو قيوم ولا يتصور أن يكون القيوم إلا واحدا فليس في الوجود إلا الحي القيوم الواحد فالكل منه مصدره وإليه مرجعه ويعبر الصوفية عن هذا بفناء النفس؛ أي: فنى عن نفسه وعن غير الله فلا يرى إلا الله فمن لا يفهم هذا ينكر عليهم ويسخر منهم فيسخرون منه هذا كله كلام الغزالي

(الحكيم) الترمذي (عن الحسن) البصري (مرسلا)

التالي السابق


الخدمات العلمية