صفحة جزء
7420 - لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله ، لرزقكم كما ترزق الطير: تغدو خماصا وتروح بطانا (حم ت هـ ك) عن عمر. (صح)
(لو أنكم توكلون على الله حق توكله) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله ، وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ، ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل ، والتوكل: إظهار العجز ، والاعتماد على المتوكل عليه (لرزقكم كما ترزق) بمثناة فوقية مضمومة أوله بضبط المصنف (الطير) زاد في رواية: في جو السماء (تغدو خماصا) أي ضامرة البطون من الجوع ، جمع خميص أي جائع (وتروح) أي ترجع آخر النهار (بطانا) أي ممتلئة البطون ، جمع بطين أي شبعان ، أي تغدو بكرة وهي جياع ، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف ، أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة بالله وبكفايته ، فإن احتج من غلب عليه الشغف بالأسباب ، بأن طيران الطائر سبب في رزقه ، فجوابه أن الهواء لا حب فيه يلقط ، ولا جهة تقصد ، ألا ترى أنه ينزل في مواضع شتى لا شيء فيها ، فلا عقل له يدرك به ، فدل على أن طيرانه في الهواء ليس من باب طلب الرزق ، بل هو من باب حركة يد المرتعش ، لا حكم لها ، فيتردد في الهواء حتى يؤتى برزقه أو يؤتى به إلى رزقه ، هذا الذي يتعين حمل طيران الطائر عليه ، أعني أنه لا حكم له في الرزق ، ولا ينسب إليه ، لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سماه متوكلا مع طيرانه ، ولذلك مثل به ، والمكلف العاقل أولى بالتوكل منه ، سيما من دخل إلى باب الاشتغال بأفضل الأعمال بعد الإيمان ، وهو طلب العلم ، كذا قرره ابن الحاج ، وهو أوجه من قول البعض: الحديث مسوق للتنبيه على أن الكسب ليس برازق ، بل الرازق هو الله تعالى ، لا للمنع عن الكسب فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وقال الحرالي: الطير: اسم جمع من معنى ما فيه الطيران ، وهو الخفة من ثقل ما ليس من شأنه أن يعلو في الهواء ، مثل بالطير لأن الأركان المجتمعة في الأبدان طوائر تطير إلى أوكارها ومراكزها ، فأخبر بأن الرزق في التوكل على الله لا بالحيل ولا العلاج قال الداراني: كل الأحوال لها وجه وقفا إلا التوكل ، فإنه وجه بلا قفا ، يعني: هو إقبال على الله من كل الوجوه وثقة به ، وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة ، إذ ليس للطائر جهة معينة ، ومراتب الناس فيه مختلفة ، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني:


توكل على الرحمن في كل حاجة. . . أردت فإن الله يقضي ويقدر

    متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده.
. . يصبه وما للعبد ما يتخير

    وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه.
. . وينجو بإذن الله من حيث يحذر



(حم ت هـ) في الزهد (ك) في الرقائق (عن عمر) بن الخطاب ، قال الترمذي: حسن صحيح ، وقال الحاكم: صحيح ، وأقره الذهبي ، ورواه النسائي عنه أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية