(لو خفتم الله حق خيفته ، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه) لأن من نظر إلى صفات الجلال تلاشى عنده الخوف من غيره بكل حال ، وأشرق نور اليقين على فؤاده ، فتجلت له العلوم ، وانكشف له السر المكتوم ومن يتق الله يجعل له مخرجا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا قال الشاذلي: نمت ليلة في سياحتي ، فأطافت بي السباع إلى الصبح ، فما وجدت أنسا كتلك الليلة ، فأصبحت ، فخطر لي أنه حصل لي من مقام الأنس بالله ، فهبطت واديا فيه طيور حجل ، فأحست بي فطارت ، فخفق قلبي رعبا ، فنوديت: يا من كان البارحة يأنس بالسباع ، ما لك وجلت من خفقان الحجل ؟ لكنك البارحة كنت بنا ، واليوم بنفسك اه. وفي تاريخ nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن الرقي: أنه قصد أبا الخير الأقطع مسلما ، فصلى المغرب ولم يقرإ الفاتحة مستويا ، فقال في نفسه: ضاع سفري ، فلما سلم خرج ، فقصده سبع ، فخرج الأقطع خلفه وصاح على الأسد: ألم أقل لك لا تتعرض لأضيافي ؟ فتنحى ، ثم قال: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد ، واشتغلنا بتقوى القلب فخافنا الأسد ، ومن هذا القبيل: ما حكي أن سفينة مرت في البحر ، فأرسوا على جزيرة ، فوجدوا فيها أمة سوداء تصلي ولا تحسن قراءة الفاتحة على وجهها ، وتخلط فيها ، ولا تحسن الركوع والسجود ولا عدد الركعات ، فقالوا لها: ما هو كذا ، افعلي كذا وكذا ، ثم سارت السفينة عنها بعيدا ، فإذا هم بها تجري على وجه الماء وتقول: قفوا علموني فإني نسيت ، فبكوا وقالوا: ارجعي وافعلي ما كنت تفعلين (ولو عرفتم الله حق معرفته) قال nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم: حق المعرفة أن يعرفه بصفاته العليا وبأسمائه الحسنى معرفة يستنير قلبه بها ، فلو عرفتموه كذلك (لزالت لدعائكم) وفي رواية: بدعائكم بالموحدة (الجبال) لكنكم وإن عرفتموه لم تعرفوه حق معرفته ، فلم تنظروا إلى صنعه وحكمه وتدبيره ، فلم تكونوا من أهل هذه المرتبة ، ومن عرفه حق معرفته ماتت منه شهوة الدنيا والشح بها ، وحب الرئاسة والثناء والحمد من الناس ، وزالت الحجب عن قلبه ، فأبصر ربه بعين قلبه ولبه ، ولم يخدعه غرور ولا خيال ، فزالت لدعائه الجبال ، فعلماء الظاهر عرفوا الله ، لكن لم ينالوا حق [ ص: 320 ] المعرفة ، فلذلك عجزوا عن هذه المرتبة ، ومنعوا أن يكون لهم هذا ، بل ودونه ، كالمشي على الماء ، والطيران في الهواء ، وطي الأرض لأحد ، ولو عرفوه حق المعرفة لماتت منهم شهوات الدنيا ، وحب الرئاسة والجاه ، والشح على الدنيا ، والتنافس في أحوالها وطلب العز ، وحب الثناء والمحمدة ، ترى أحدهم مصغيا لما يقول الناس له وفيه ، وعينه شاخصة إلى ما ينظر الناس إليه منه ، وقد عميت عيناه عن النظر إلى صنع الله وتدبيره ، فإنه تعالى كل يوم هو في شأن
(الحكيم) الترمذي (عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل) .