[ ص: 31 ] (من أحب دنياه أضر بآخرته) لأن من أحب دنياه عمل في كسب شهوتها، وأكب على معاصيه فلم يتفرغ لعمل الآخرة، فأضر بنفسه في آخرته، ومن نظر إلى فناء الدنيا وحساب حلالها وعذاب حرامها، وشاهد بنور إيمانه جمال الآخرة أضر بنفسه في دنياه بحمل مشقة العبادات وتجنب الشهوات، فصبر قليلا وتنعم طويلا، ولأن من أحب دنياه شغلته عن تفريغ قلبه لحب ربه ولسانه لذكره فتضر آخرته ولا بد، كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا ولا بد كما قال (ومن أحب آخرته أضر بدنياه) أي هما ككفتي الميزان، فإذا رجحت إحدى الكفتين خفت الأخرى وعكسه، وهما كالمشرق والمغرب، ومحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب، وهما كالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، فالجمع بين كمال الاستئصال في الدنيا والدين لا يكاد يقع إلا لمن سخره الله لتبديل خلقه في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء، أما غيرهم فإذا شغلت قلوبهم بالدنيا انصرفت عن الآخرة، وذلك أن حب الدنيا سبب لشغله بها والانهماك فيها، وهو سبب للشغل عن الآخرة، فتخلو عن الطاعة فيفوت الفوز بدرجاتها وهو عين المضرة. بنى ملك مدينة وتأنق فيها ثم صنع طعاما ونصب ببابها من يسأل عنها فلم يعبها إلا ثلاثة فسألهم فقالوا: رأينا عيبين قال: وما هما؟ قالوا: تخرب ويموت صاحبها قال: فهل ثم دار تسلم منهما؟ قالوا: نعم الآخرة، فتخلى عن الملك وتعبد معهم، ثم ودعهم فقالوا: هل رأيت منا ما تكره؟ قال: لا، لكن عرفتموني فأكرمتموني فأصحب من لا يعرفونني. والباء في القرينتين للتعدية (فآثروا ما يبقى على ما يفنى) ومن أحبها صيرها غايته، وتوسل إليها بالأعمال التي جعلها الله وسائل إليه وإلى الآخرة، فعكس الأمر وقلب الحكمة فانتكس قلبه وانعكس سره إلى وراء، فقد جعل الوسيلة غاية والتوسل بعمل الآخرة بالدنيا، وهذا سر معكوس من كل وجه، وقلب منكوس غاية الانتكاس، وقد ذم الله من يحب الدنيا ويؤثرها على الآخرة بقوله تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وذم حبها يستلزم مدح بغضها، وقال علي: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من إحداهما بعدت عن الأخرى
(حم ك) من حديث المطلب بن عبد الله (عن أبي موسى) الأشعري ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : على شرطهما، وأورده الذهبي وقال: فيه انقطاع اهـ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري والهيثمي: رجال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ثقات.