(إذا أكل أحدكم) ؛ أي: أراد أن يأكل؛ ويحتمل جعله على ظاهره؛ (طعاما) ؛ غير لبن؛ (فليقل) ؛ ندبا؛ (اللهم بارك لنا فيه) ؛ من " البركة" ؛ وهي زيادة الخير ودوامه؛ (وأبدلنا) ؛ بفتح الهمزة؛ (خيرا) ؛ اسم تفضيل؛ وأصله: " أخير" ؛ فلا يراد أنها ليست على وزن " أفعل" ؛ (منه) ؛ من طعام الجنة؛ أو أعم؛ فيشمل خير الدارين؛ ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم؛ وإن كانت للإثبات؛ (وإذا شرب) ؛ أي: تناول؛ (لبنا) ؛ ولو غير حليب؛ وعبر بالشرب؛ لأنه الغالب؛ (فليقل) ؛ ندبا؛ (اللهم بارك لنا فيه؛ وزدنا منه) ؛ ولا يقل: " خيرا منه" ؛ لأنه ليس في الأطعمة خير منه؛ (فإنه ليس بشيء يجزئ) ؛ بضم أوله؛ أي: يكفي؛ يقال: " جزأت الإبل بالرطب عن الماء" ؛ اكتفت؛ (من الطعام؛ والشراب؛ إلا اللبن) ؛ يعني: لا يكفي في دفع العطش؛ والجوع؛ معا؛ شيء واحد إلا هو؛ لأنه - وإن كان بسيطا في الحس - لكنه مركب من أصل الخلقة؛ تركيبا طبيعيا؛ من جواهر ثلاث؛ جبنية؛ وسمنية؛ ومائية؛ فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن؛ والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة؛ ملائمة للبدن الإنساني الصحيح؛ كثيرة المنافع؛ والمائية حارة رطبة؛ مطلقة للطبيعة؛ مرطبة للبدن؛ فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره؛ وهو أفضل من العسل؛ على ما عليه السبكي؛ وألف فيه؛ لكن عكس بعضهم؛ وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن؛ والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة؛ وقضية الحديث أيضا أن اللبن أفضل من اللحم؛ ويعارضه الخبر الآتي: " nindex.php?page=hadith&LINKID=679809أفضل طعام أهل الدنيا؛ والآخرة: اللحم" .
(تنبيه) : سيأتي في خبر: " اللبن فطرة" ؛ قال القرطبي : يعني بها فطرة [ ص: 297 ] دين الإسلام؛ كما قال (تعالى): فطرت الله ؛ الآية؛ ثم قال: ذلك الدين القيم ؛ وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة؛ لأن اللبن أول ما يتغذى به الإنسان؛ وهو قوت خلا عن المفاسد؛ به قوام الأجساد؛ ولذلك آثره المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على الخمر ليلة الإسراء؛ ودين الإسلام كذلك؛ بل هو أول ما أخذ على بني آدم؛ وهم كالذر؛ ثم هو قوت الأرواح؛ به قوامها الأبدي؛ وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام؛ من جميع جهاته؛ فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع؛ علامة على الغواية؛ وقد أعاذ الله (تعالى) نبيه من ذلك؛ طبعا؛ وشرعا.