(إذا سمعتم) ؛ أيها المؤمنون الكاملون الإيمان؛ الذين استضاءت قلوبهم من مشكاة النبوة؛ (الحديث عني تعرفه قلوبكم) ؛ أي: تقبله؛ وتشهد بحسنه؛ (وتلين له أشعاركم) ؛ جمع " شعر" ؛ (وأبشاركم) ؛ جمع " بشرة" ؛ (وترون) ؛ أي: تعلمون؛ (أنه منكم قريب) ؛ أي: قريب إلى أفهامكم؛ وأحكام دينكم؛ ولا يأبى قواعد علومكم أيها المتشرعة؛ (فأنا أولاكم به) ؛ أحق به في القبول المؤدي إلى العمل بمقتضاه؛ لأن ما أفيض على قلبي من المعارف وأنوار اليقين أكثر من بقية الأنبياء؛ فضلا عنكم؛ (وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم؛ وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم؛ وترون أنه بعيد منكم؛ فأنا أبعدكم منه) ؛ لما ذكر؛ ولذلك جزم أئمتنا الشافعية بأن كل حديث أوهم باطلا؛ ولم يقبل التأويل؛ فمكذوب عليه؛ لعصمته؛ أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه؛ وذلك أن الله بعث رسله إلى خلقه لبيان الأمور؛ ومعرفة التدبير؛ وكيف وكم وكنه الأمور عنده مكنون؛ فأفشى منه إلى الرسل ما لا يحتمله عقول غيرهم؛ ثم منهم إلى العلماء؛ على قدر طاقتهم؛ ثم إلى العامة على قدر حالهم؛ فالعلم بحر يجري منه واد؛ ثم من الوادي نهر؛ ثم من النهر جدول؛ فساقية؛ فلو جرى إلى ذلك الجدول لغرقه؛ ولو مال البحر على الوادي لأفسده؛ فمن تكلم بشيء من الهدى؛ فالرسول سابق له؛ وإن لم يتكلم بذلك اللفظ؛ فقد أتى بأمثلة مجملة؛ فلهذا كان أولى؛ فإذا كان الكلام غير منكر عند العلماء العاملين؛ فهو قول الرسول؛ وإذا كان منكرا عندهم؛ فليس قوله؛ وإن روي عنه؛ فلخطإ أو سهو من بعض الجهلة؛ أو وضع من بعض الزنادقة؛ أو الجهلة؛ وذلك لأنه إذا وقع ذكر الحق على القلب؛ التقى نوره ونور اليقين؛ فامتزجا؛ واطمأن القلب؛ فيعلم أنه حق؛ وإذا وقع عليه باطل؛ لاقت ظلمته القلب المشرق بنور اليقين؛ فينفر النور؛ ولم يمتزج معه؛ فاضطرب القلب؛ وجاش؛ ففرق ما بين كلام النبوة؛ وكلام غيرهم لائح؛ واضح عند العلماء بالله؛ وبأحكامه؛ العاملين عليها؛ وأخرج ابن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خيثم قال: إن من الحديث [ ص: 383 ] حديثا له ضوء كضوء النهار؛ تعرفه؛ وإن منه حديثا له ظلمة كظلمة الليل تنكره؛ أما المخلط المكب على شهوات الدنيا؛ المحجوب عن الله بالظلمات والكدورات؛ فأجنبي من هذا المقام.
(تنبيه) : أفاد الخبر أن بعض المنسوب إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من المقطوع بكذبه؛ وعلى ذلك جرى صحبنا في الأصول؛ فقالوا: وما فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله؛ من المقطوع بكذبه؛ لقضاء العادة بكذب ناقله؛ وقيل: لا يقطع بكذبه؛ لتجوز العقل صدق ناقله.
(حم ع) ؛ وكذا nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار ؛ (عن nindex.php?page=showalam&ids=45أبي أسيد ) ؛ بضم الهمزة؛ بضبط المؤلف؛ كذا وقفت عليه في مسودته؛ والصواب خلافه؛ ففي أسد الغابة: أبو أسيد؛ بفتح الهمزة؛ وقيل: بضمها؛ قال: والصواب الفتح؛ قاله أبو عمر ؛ انتهى؛ وكان ينبغي للمؤلف تمييزه؛ فإنه في الصحب متعدد؛ منهم أبو أسيد بن ثابت الأنصاري؛ وأبو أسيد الساعدي البدري؛ وهو المراد؛ (أو أبي حميد) ؛ شك الراوي؛ قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح؛ انتهى؛ وزعم أنه معلول خطأ فاحش؛ ورواه الحكيم؛ عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ؛ بلفظ: " إذا حدثتم بحديث تنكرونه؛ ولا تعرفونه؛ فكذبوا به؛ فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف" ؛ قال nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم: فمن تكلم بشيء بعد الرسول من الحق؛ فالرسول سابق إلى ذلك القول؛ وإن لم يكن تكلم؛ لأنه جاء بالأصل؛ والأصل مقدم على الفرع؛ فجاء بالأصل؛ وتكلم من بعده بالفرع؛ قال: وهذا في الكامل؛ أما المخلط المكب على الشهوات؛ المحجوب عن الله؛ فليس هو المعني بهذا الحديث؛ لأن صدره مظلم؛ فكيف يعرف الحق؟! فالمخاطب من كان طاهر القلب؛ عارفا بالله حق معرفته؛ الذي تزول بدعائه الجبال.