(أزهد الناس من لم ينس القبر) ؛ أي: موته؛ ونزوله القبر؛ ووحدته؛ ووحشته؛ (والبلاء) ؛ أي: الفناء والاضمحلال؛ (وترك [ ص: 483 ] أفضل زينة) ؛ الحياة؛ (الدنيا) ؛ مع إمكان تحليه بها؛ (وآثر ما يبقى؛ على ما يفنى) ؛ أي: آثر الآخرة؛ وما يقرب منها من قول؛ وعمل؛ على الدنيا؛ وما فيها؛ قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فان؛ والآخرة من خزف باق؛ لاختار العاقل الباقي على الفاني؛ وقال: " ترك أفضل زينة الدنيا" ؛ ولم يقل: " ترك زينة" ؛ توسعة في الأمر؛ وإشارة إلى أن القليل من ذلك؛ مع عدم شغل القلب به؛ لا يخرج عن الزهد؛ (ولم يعد غدا من أيامه) ؛ لجعله الموت نصب عينيه على توالي الأنفاس؛ (وعد نفسه في الموتى) ؛ لأن التخلي عن زينة الدنيا؛ والتحلي بقصر الأمل؛ يوجب محبة لقاء الله؛ ومحبة لقائه توجب محبة الخروج من الدنيا؛ وهذا نهاية الزهد فيها؛ والإعراض عنها؛ ثم إن من اشتراطه لمحل الزهد به ترك زينة الدنيا؛ يشمل النساء؛ إذ هي أعلى اللذات؛ وأعظمها؛ باتفاق العقلاء؛ وليس مرادا؛ فتعين جعل الخبر من قبيل العام المخصوص؛ أو الذي أريد به الخصوص؛ فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحا في الأزهدية؛ كيف وهو أعظم المحبوبات لخير البرية؛ مع أمره لأمته بإكثار التناكح؛ لإكثار التناسل؟! وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد؛ ولم يتركوا الإكثار منهن؛ مع ما هم عليه من ضيق العيش؛ وقلة الرفاهية؛ والجهادين الأصغر والأكبر؛ فإن قلت: لم لم ينبه على استثنائه في هذا الخبر؟ قلت: اتكالا على ما ظهر؛ واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية؛ التي هي شعار النصارى؛ فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه؛ فتدبر.
(هب؛ عن nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ؛ مرسلا) ؛ قال: قيل: يا رسول الله؛ من أزهد الناس؟ فذكره؛ رمز لضعفه.