(اعبدوا الرحمن) ؛ أي: أفردوه بالعبادة؛ فإنه المنعم بجلائل النعم؛ ودقائقها؛ أصولها؛ وفروعها؛ فخص اسم الرحمن للتنبيه على ذلك؛ ولمناسبته لقوله: (وأطعموا) ؛ بهمزة قطع؛ (الطعام) ؛ للخاص؛ والعام؛ البر؛ والفاجر؛ (وأفشوا) ؛ بهمزة قطع مفتوحة؛ (السلام) ؛ أظهروه؛ وعموا به المؤمنين؛ ولا تخصوا به المعارف؛ إحياء للسنة؛ ونشرا للأمان بين الأمة؛ وقصدا إلى التحابب والتوادد؛ واستكثارا للإخوان؛ لأن كلمته إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة؛ إلى الإقبال عليها؛ وهي أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة؛ (تدخلوا) ؛ بالجزم؛ جواب الأمر؛ (الجنة بسلام) ؛ أي: إذا فعلتم ذلك؛ ودمتم عليه؛ وشملتكم الرحمة؛ يقال لكم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ؛ آمنين؛ لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ؛ قال الزين العراقي: فيه أن هذه الأعمال موصلة إلى الجنة؛ وهو موافق لقوله (تعالى): وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ؛ ولا يشكل بخبر: " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" ؛ لما قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنهم يدخلونها بالرحمة؛ ويقتسمون المنازل بالأعمال الصالحة؛ فعليه تكون وراثتهم للمنازل بهذه الأعمال الصالحة بفضل الله؛ فهو الموفق لها؛ والمجازي عليها؛ فضلا منه؛ لا وجوبا؛ كما تقوله المعتزلة.
(خاتمة) : قال المحققون: للعبادة درجات ثلاث؛ الأولى: أن يعبد الله طلبا للثواب؛ وهربا من العقاب؛ وهي نازلة جدا؛ لأن معبوده بالحقيقة ذلك الثواب؛ الثانية: أن تعبده لتتشرف بعبادته؛ والنسبة إليه؛ وهي أعلى؛ لكنها غير خالصة؛ إذ القصد بالذات غير الله؛ والثالثة: أن تعبده لكونه إلها؛ وأنت عبده؛ وهذه أعلاها.