(اعملوا) بظاهر ما أمرتم ولا تتكلوا على ما كتب لكم من خير وشر (فكل) أي: كل من خلق (ميسر) أي: مهيئ ومصروف (لما خلق له) أي: لأمر خلق ذلك المرء له فلا يقدر البتة على عمل غيره فذو السعادة ميسر لعمل أهلها بحكم القدر الجاري عليه وإذا غلبت مادة الحكم واستحكمت في إنسان فإنما تيسر له عمل الخبث فكان مظهرا للأفعال الخبيثة التي هي عنوان الشقاء وحكم عكسه عكس حكمه .
(تنبيه): قال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي بين بهذا الخبر أن الخلق مجاري قدر الله ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضا من أفعاله لكن بعض أفعاله محل لبعض وقوله اعملوا وإن جرى على لسان الرسول فهو فعل من أفعاله تعالى وهو سبب لعلم الخلق بأن العلم نافع وعلمهم من أفعال الله وهو سبب لحركة الأعضاء وهي أيضا من أفعاله تعالى لكن بعض أفعاله مسبب للبعض أي الأول شرط للثاني كخلق الحياة شرط لخلق العلم والعلم للإرادة بمعنى أو لا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا للإرادة إلا ذو علم فيكون بعض أفعاله سببا للبعض لا موجبا لغيره وهذا القول من الله سبب لوجود الاعتقاد والاعتقاد سبب للخوف والخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وهو سبب الوصول إلى جوار الرحمن وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان وإن جهنم لموعدهم أجمعين