(اللهم اجعل لي في قلبي نورا) أي عظيما كما يفيده التنكير ويدل له خبر إذا سأل أحدكم ربه فليعظم المسألة (وفي لساني) يعني نطقي (نورا) استعارة للعلم والهداية فهو على وزان فهو على نور من ربه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس (وفي بصري نورا) ليتحلى بأنوار المعارف وتتجلى له صفوف الحقائق فهو راجع إلى البيان والهداية يهدي الله لنوره من يشاء (وفي سمعي نورا) ليصير مظهرا لكل مسموع ومدركا لكل كمال لا مقطوع ولا ممنوع وخص القلب والسمع والبصر بنفي الظرفية لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعمائه ومكانها ومعدنها والبصر مسارح آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ومحلها والأسماع مراسي ألواح وحي الله ومحط آياته المنزلة على أوليائه (وعن يميني نورا وعن يساري نورا) خصهما بعن إيذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من اتباعه (ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن أمامي نورا ومن خلفي نورا) لأكون محفوفا بالنور من سائر الجهات فكأنه سأل أن يزج به في النور زجا لتتلاشى عنه الظلمات وتنكشف له المعلومات ويشاهد بكل جارحة منه بسائر المبصرات. وقال الأكمل: النور الذي عن يمينه هو المريد له والذي عن يساره نور الوقاية والذي خلفه الذي يسعى بين يديه اتباعه والذي فوقه تنزل روحي إلهي بعلم غريب لم يسبقه خبر ولا نظر يعطيه نظر وهو الذي يعطى من العلم بالله ما لا ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيماني نوراني (واجعل لي في نفسي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجزل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه [ ص: 137 ] لأكون دائم السير والترقي في درجات المعارف فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره ولا يضل سبيله فالقصد طلب مزيد النور ليدوم السير ويتضاعف الترقي وقيل أراد نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي ذكرها وغيرها كأنوار الأسماء الإلهية وأنوار الأرواح وقال الطيبي رحمه الله معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن الظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان رأى أنه قد أحاطت به خطيئة ظلمات الحيلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من ميزان الشهوات من جوانبه ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض لم ير للتخليص منها مساغا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل مسافة تلك الظلمات إرشادا للأمة وتعليما لهم وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وضياء للحق وإلى مطالع هذه الأنوار قوله الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء وإلى أودية تلك الظلمات تلمح قوله أو كظلمات في بحر لجي - إلى قوله - ظلمات بعضها فوق بعض وقوله ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور اللهم إنا نعوذ بك من شر تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار
(حم) (ق) عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس )