صفحة جزء
3995 - "خياركم من ذكركم بالله رؤيته ؛ وزاد في علمكم منطقه؛ ورغبكم في الآخرة عمله"؛ الحكيم ؛ عن ابن عمرو ؛ (صح) .


( خياركم من ذكركم بالله رؤيته؛ وزاد في علمكم منطقه؛ ورغبكم في الآخرة عمله ) ؛ هذه كلمة نبوية؛ وافق فيها نبينا عيسى - عليهما السلام - ؛ قال ابن عيينة : قيل لعيسى : يا روح الله؛ من نجالس؟ قال: "من يزيد في علمكم منطقه؛ ويذكركم الله (تعالى) رؤيته؛ ويرغبكم في الآخرة عمله" ؛ أخرجه العسكري ؛ قال الحكيم : أما الذي يذكرك بالله رؤيته فهم الذين عليهم من الله سمات ظاهرة؛ قد علاهم بها نور الجلال؛ وهيبة الكبرياء؛ وأنس الوقار؛ فإذا نظر الناظر إليه؛ ذكر الله؛ لما يرى من آثار الملكوت عليه؛ فهذه صفة الأولياء؛ فالقلب معدن هذه الأشياء؛ ومستقر النور؛ وشرب الوجه من ماء القلب؛ فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد؛ تأدى إلى الوجه ذلك النور؛ فإذا وقع بصرك عليه ذكرك البر والتقوى؛ ووقع عليك [ ص: 468 ] منه مهابة الصلاح والعلم؛ وذكرك الصدق؛ والحق؛ فوقع عليك مهابة الاستقامة؛ وإذا كان نور سلطان الله على وجه؛ تأدى ذكرك عظمة جلاله وجماله؛ وإذا كان على القلب نوره؛ وهو نور الأنوار؛ نهتك رؤيته عن النقائص؛ فشأن القلب أن يسقي عروق الوجه وبشرته من ماء الحياة؛ الذي يرطب به؛ ويتأدى إلى الوجه منه ما فيه؛ لا غير ذلك؛ فكل نور من هذه الأنوار كان في قلب فشرب وجهه منه؛ فإذا سر القلب برضا الله عن العبد؛ وبما يشرق به صدره عن وجهه نضرة وسرورا؛ وأما رؤية العالم فتزيد في منطقه؛ لأنه عن الله ينطق؛ فالناطق صنفان: صنف ينطق بالعلم عن الصحف؛ حفظا؛ وعن أفواه الرجال؛ تلقيا؛ والآخر ينطق عن الله؛ تلقيا؛ فالذي ينطق عن الصحف والأفواه إنما يلج آذانهم عريان؛ بلا كسوة؛ لأنه لم يخرج من قلب نوراني؛ بل من قلب دنس؛ وصدر مظلم مغشوش إيمانه؛ يحب الرئاسة؛ والعز؛ والشح على الحطام؛ ونفسه قد استولت على قلب ينازع الله في ردائه؛ والذي ينطق عن الله إنما يلج آذان السامعين بالكسوة التي تخرق كل حجاب؛ وهو نور الله؛ خرج من قلب مشحون بالنور؛ وصدره مشرق به؛ فيخرق قلوب المخلطين من رين الذنوب؛ وظلمة الشهوات؛ وحب الدنيا؛ لخلعه إلى نور التوحيد؛ فآثاره كجمرة وصلتها النفخة؛ والتهبت نارا؛ فأضاء البيت؛ وأما قوله: "يزيدكم في العلم منطقه"؛ فإنه إذا نطق؛ نطق بآلاء الله؛ وصنعه؛ فهذا أصل العلم؛ والعلم الذي في أيدي العامة فرع هذا؛ وآلاء الله: ما أبدى من وحدانيته؛ وفردانيته؛ كالجلال؛ والعظمة؛ والهيبة؛ والكبرياء؛ والبهاء؛ والسلطان؛ والعز؛ والوقار على قلوب الأولياء؛ وأما قوله: "يرغبكم في الآخرة عمله"؛ فلأن على عمله نورا؛ وعلى أركانه خشوعا؛ وعلى تصرفه فيها صدق العبودية؛ مع بهاء ووقار وطلاوة وحلاوة؛ فإذا رآه الرائي تقاصر إليه عمله؛ ونفسه؛ وأما علماء الدنيا فليس لأعمالهم ذلك النور والبهاء؛ لأنهم على الرغبة والرهبة؛ لأنه رغب في الجنة؛ والوعد والوعيد نصب عينيه؛ فيستعين بذلك على نفسه؛ حتى يقمعها؛ وأما أهل اليقين فإذا عرض لهم أنارت قلوبهم من الشوق إليه؛ والحب له؛ فعاملوه على بشر وطيب نفس؛ فإذا عرض لهم دينه عرقت جباههم حياء منه؛ فشتان ما بين عبدين؛ أحدهما يعمل لمولاه؛ ولولا خوفه من وعيده وحرمان وعده ما عمل؛ والآخر يعمل لمولاه تذللا؛ وتخشعا؛ ومحبة له؛ وإلقاء لنفسه بين يديه؛ وشغفا به؛ لا يستويان.

( الحكيم ) ؛ الترمذي ؛ (عن ابن عمرو ) ؛ ابن العاص ؛ قال: قيل: يا رسول الله؛ من نجالس؟ فذكره؛ ورواه العسكري من حديث ابن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية