(رحم الله موسى) بن عمران كليم الرحمن (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به أي: آذاه قومه بأشد مما أوذيت به من تشديد فرعون وقومه وإبائه عليهم وقصده إهلاكه، بل ومن تعنت من آمن معه من بني إسرائيل حتى رموه بداء الأدرة، واتهموه بقتل أخيه هارون لما مات معه في التيه، بعد ما رأوا من معجزاته الحسية العجائب مما جاء به التنزيل من فظاظتهم وسوء طباعهم وفحش أخلاقهم (فصبر) قيل: لما سلك بهم البحر قالوا له: إن صحبنا لا نراهم، فقال: سيروا فإنهم على طريق كطريقكم، قالوا: لا نرضى حتى نراهم، فقال: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، ففتحت لهم كوات في الماء فتراموا وتسمعوا وهذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال رجل يوم حنين: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، ولا أريد بها وجه الله، فتغير وجهه، ثم ذكره، وكان كلامه هذا شفقة عليهم ونصحا في الدين، لا تهديدا وتثريبا؛ إيثارا لحق الله على نفسه في ذلك المقام الذي هو عقب الفتح، وتمكن السلطان الذي يتنفس فيه المكروب، وينفث المصدور ويتشفى المغيظ المحنق، ويدرك ثأره المؤثر، فلله أخلاق الأنبياء، ما أوطاها وأسمحها! ولله عقولهم، ما أرزنها وأرجحها! قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفيه تسلية للعالم لما يلقى من الجهلة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : كما لا تخلو الأنبياء من الابتلاء بالمعاندين، فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين، فقلما انفك ولي أو عالم عن ضروب من الإيذاء، بنحو إخراج من بلدة، وسعاية إلى سلطان، وشهادة عليه حتى بالكفر، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا، فعلى العلماء العدل والقيام بنواميس الشريعة والصدع بالحق عند السلطان وإظهار السنن، وإخماد البدع، والقيام لله في أمور الدين ومصالح المسلمين، وتحمل الأذى المترتب على ذلك، ولا يرضون من فعالهم الظاهرة والباطنة بالجائز، بل يأخذون بأحسنها وأكملها؛ فإنهم القدوة والمرجع في الأحكام، وحجة الله على العوام
(حم ق عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ) قال: لما كان يوم حنين آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصين مثلها، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، ولا أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيته فأخبرته، فقال: ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟! رحم الله موسى.. إلخ. [ ص: 28 ]