صفحة جزء
4709 - (سلوا أهل الشرف عن العلم، فإن كان عندهم علم فاكتبوه فإنهم لا يكذبون) (فر) عن ابن عمر - (ض) .


(سلوا أهل الشرف عن العلم، فإن كان عندهم علم فاكتبوه فإنهم لا يكذبون) فإنهم يصونون شرفهم عن أن يدنسوه بعار الكذب، كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري عند ما ولي الخلافة أشر علي بقوم أستعين بهم على أمر الله، فكتب إليه: أما أهل الدين فليس يريدونك ولكن عليك بالأشراف؛ فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة، ومن كلامهم: ولد الشريف أولى بالشرف، والدر أغلى من الصدف، وهو أمر غالبي، والحديث ورد على الغالب، قال القطب القسطلاني:


إذا طاب أصل المرء طابت فروعه. . . ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد     وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله.
. . ليظهر صنع الله في العكس والطرد



وقال الراغب: الشرف أخص بمآثر الآباء والعشيرة، ولذلك قيل للعلوية أشراف، قال: ومن الناس من لا يعد شرف الأصل فضيلة، وقال: المرء بنفسه، واستدل بقول علي: الناس أبناء ما يحسنون، وبقوله: قيمة كل امرئ ما يحسنه، ويقول الشاعر:


كن ابن من شئت واكتسب أدبا. . .     يغنيك محموده عن النسب

[ ص: 111 ]

وقال حكيم: الشرف بالهمم العالية، لا بالرمم البالية، وليس كما ظن؛ لأن شرف الآباء والأعمام والأخوال مخيلة لكرم المرء، ومظنة له؛ فالفرع وإن طاب قد يفسد أحيانا، فأصله يورث الفضيلة والرذيلة؛ ولهذا قيل:


إن السري إذا سرا فبنفسه ...     وابن السري، إذا سرا، أسراهما



ويبين ذلك أن الأخلاق نتائج الأمزجة، ومزاج الأب كثيرا ما يتأدى إلى الابن كاللون والخلق والصورة، ومن أجل تأديتها إليه كما جاء في خبر (تخيروا لنطفكم) وما ذكر من نحو قول أمير المؤمنين: الناس أبناء ما يحسنون، فحث للإنسان على اقتباس العلى ونهي عن الاقتصار على مآثر الآباء، فإن المآثر الموروثة قليلة الغنى ما لم يضامها فضيلة النفس؛ لأن ذلك إنما يحمد ليوجد الفرع مثله، ومتى اختلف الفرع وتخلف أخبر بأحد شيئين إما بتكذيب من يدعي الشرف بعنصره، أو بتكذيبه في انتسابه إلى ذلك العنصر، وما فيها حظ المختار والمحمود، كون الأصل في الفضل راسخا والفرع به شامخا كما قيل:


زانوا قديمهم بحسن حديثهم. . .     وكريم أخلاق بحسن خصال



ومن لم يجتمع له الأمران؛ فلأن يكون شريف النفس دنيء الأصل أولى من كونه دنيء النفس شريف الأصل، ومن كان عنصره سنيا وهو في نفسه دنيء، فذلك أتى إما من إهماله نفسه وشؤمها وإما لتعود عادات قبيحة وصحبة أشرار، ونحو ذلك .

[تنبيه] قال بعض الصوفية: عند ذوي الشرف من الأكابر ما لم يوجد عند غالب الناس من حيائهم من النطق بالقبيح وغض الطرف عن عورات الناس، وعدم الشره في الأكل، وفقد جرأتهم، وتعظيمهم من يعلمهم الأدب، ولبس الخف في أرجلهم، وجعلهم الأكمام ضيقة خوفا أن يبدو من أطرافهم شيء، ولبس السراويل على الدوام حتى كأنه فرض لازم، وتجد الواحد منهم أشد تواضعا من مولاه

(ص عن ابن عمر) بن الخطاب ، ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى

التالي السابق


الخدمات العلمية