اختلف العلماء في الاستدلال من هذا الحديث، كما قال المهلب، فذهب قوم إلى أن ظاهره يقتضي: أن لا اسم لله غير ما ذكر، إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيص هذه العدة معنى، قالوا: والشريعة متناهية، والحكمة فيها بالغة.
ومعنى ما أخبرنا به الشارع من هذه الأسماء، وإنما هو في معنى الشرع لنا في الدعاء بها، وغيرها من الأسماء لم يشرع لنا الدعاء بها; لأن الحديث مبني على الآية، وهي قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 18] فكأن ذكر هذا العدد إنما هو لشرع الدعاء به.
[ ص: 380 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب: وهذا القول أميل إلى النفوس، ونقله النووي عن اتفاق العلماء; لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يبلغ كنهه الواصفون، ولا ينتهي إلى صفاته المقرظون، دليل لازم أن له أسماء غير هذه وصفات، وإلا فقد تناهت صفاته تعالى عن ذلك، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري وجماعة من أهل العلم.
قال ابن الطيب: وليس في الحديث دليل على أنه ليس لله أكثر من ذلك، لكن ظاهره يقتضي أن من أحصاها على وجه التعظيم لله دخل الجنة، وإن كان له أسماء أخر.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14933القابسي: أسماء الله تعالى وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف، وهو: الكتاب والسنة واتفاق الأمة، وليس للقياس فيه مدخل، وما أجمعت عليه الأمة، فإنما هو عن سمع علموه من بيان الرسول، قال: ولم يذكر في كتاب الله لأسمائه عدد مسمى، وقد جاء حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا، وقد أخرج بعض الناس من كتاب الله تسعة وتسعين اسما والله أعلم بما خرج من هذا العدد إن كان كل ذلك أسماء (أو بعضها أسماء) وبعضها صفات، ولا يسلم له ما نقله من ذلك.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نص على التسعة وتسعين اسما.
قال ابن القابسي: وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، عن nindex.php?page=showalam&ids=16055سمي، عن القعقاع بن
[ ص: 381 ] حكيم أن nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار أخبر قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: ما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر (وبأسمائه) الحسنى كلها، ما علمت منها، وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ.
فهذا كعب على علمه واتساعه، لم يتعاط أن يحصر معرفة الأسماء مثل ما حصرها، هذا الذي زعم أنه عرفها من القرآن، والدعاء في هذا بدعاء كعب أولى وأسلم من التكلف، وقد كان بعض السادة يدعو به كثيرا.
وسيأتي تفسير الإحصاء والمراد بهذا الحديث في الاعتصام في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "باسم الله الأعظم"، وفي الباب أيضا بعد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: قد اختلف السلف قبلنا في ذلك، فقال بعضهم في ذلك ما قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: اسم الله الأعظم: اللهم إني (أعوذ) بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، وأعوذ بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت، وإذا سئلت بها أعطيت. وقال آخرون: اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع قوله: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة [الحشر: 22] إلى آخر السورة، وقال آخرون بأقوال مختلفة لروايات رووها عن العلماء.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: والصواب في كل ما روينا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف أنه صحيح; لأنه لم يرو عن أحد منهم أنه قال في شيء من ذلك، لقد دعا باسمه الأعظم الذي لا اسم له أعظم منه، فيكون ذلك من
[ ص: 383 ] روايتهم اختلافا، وأسماؤه كلها عظيمة جليلة، وليس منها اسم أعظم من اسم.
وقال أبو الحسن القابسي: لا يجوز أن يقال في أسمائه وصفاته ما يشبه المخلوقات، ولو كان في أسمائه اسم أعظم من اسم لكان غيره، ومنفصلا منه، والاسم هو المسمى على قول أهل السنة، فلا يجوز أن يكون الاسمان متغايرين.
قال: ومن جعل اسما أعظم من اسم، صار إلى قول من يقول: القرآن مخلوق، ومسألة الاسم هل هو المسمى، سلفت واضحة.
قال القشيري: فيه دليل على أنه هو، إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره، لقوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: فإن قيل: فلو كان -كما وصفت- كل من أسمائه عظيما، لا شيء منها أعظم من شيء لكان كل من دعا باسم من أسمائه مجابا دعاؤه، كما استجيب دعاء صاحب سليمان، الذي أتاه بعرش بلقيس من مسيرة شهر قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه; لأنه كان عنده علم من اسم الله الأعظم، وكان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ
[ ص: 384 ] الأكمه والأبرص، وقد يدعو أحدنا الدهر الطويل بأسمائه فلا يستجاب له، فدل أن الأمر بخلاف ذلك.
وتبين ما قلناه أنا وجدنا أنه يدعو بالذي دعا به الذين عجلت لهم الإجابة، فلا يجاب له، فدل أن الذي أوجب الإجابة لمن أجيب، وترك (الإجابة) لمن لم يستجب له، وهو اختلاف أحوال الداعين، لا الدعاء باسم من أسمائه تعالى بعينه.
فصل:
وقع هنا من رواية سفيان، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد "مائة إلا واحدة" ولا يجوز
[ ص: 385 ] في العربية، وقد جاء في الاعتصام "إلا واحدا" من رواية شعيب، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد، وهو الصحيح في العربية; لأن الاسم مذكر، فلا يستثنى منه إلا مذكر مثله، نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال، وقد روي هنا من طريق الأول "واحدا".
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: فيه دليل على أن الله أشهر أسمائه; لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أنه الاسم الأعظم. قال اللكائي: وإليه ينسب كل اسم له، فيقال: الرءوف الرحيم الله، أو من أسماء الله، ولا يقال: من أسماء الرءوف (الرحيم) الله.
فصل:
ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ومن وافقه إلى القول الأول; لأنه لا يجوز الزيادة عليها، ثم قال: والأحاديث في إحصائها مضطربة ولا يصح منها
[ ص: 386 ] شيء البتة -قلت: صحح بعضها nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم- قال: وإنما تؤخذ من نص القرآن ومما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وقد بلغ إحصاؤها إلى ما نذكره، فذكر أربعة وثمانين اسما.
فصل:
مما يدل على أن المراد الإخبار دخول الجنة بإحصائها لا حصرها، حديث nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي القاضي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم، قال: وهذا قليل فيها.
[ ص: 387 ] وأما نفس هذه الأسماء فقد جاءت مفصلة في nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وغيرهما، وفي بعض الأسماء خلاف، وقيل: إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم، وليلة القدر، ونظائرهما.
فصل:
واختلفوا في معنى الإحصاء، وفي رواية أخرى (فذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري) وغيره أنه حفظها، وهو الصحيح عملا بالرواية الأخرى: "من حفظها" وقيل: معناه: عدها في الدعاء بها، وقيل: أطاقها: أي أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها، وقيل: معناه: العمل بها، والطاعة بمعنى كل اسم منها. والإيمان بها لا يقتضي عملا. وأغرب بعضهم فقال: أراد حفظ القرآن أجمع وتلاوته كله; لأنه مستوف لها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناها: من عرفها وعقل معانيها وآمن بها دخل الجنة، مأخوذ من الحصاة: وهو العقل.
قال طرفة بن العبد:
وإن لسان المرء ما لم يكن له حصاة على عوراته لدليل
والعرب تقول: فلان ذو حصاة: أي ذو عقل.
[ ص: 388 ] فصل:
وقوله: ("يحب الوتر") معناه: في حق الله الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى "يحب": يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمسا، والطهارة ثلاثا، والطواف سبعا سبعا، والسعي سبعا، ورمي الجمار سبعا، وأيام التشريق ثلاثة، والاستنجاء ثلاثة، وشبه ذلك.
وقيل: معناه ينصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتصرف مخلصا له.
فصل:
لما خرجها nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في "الأسماء والصفات" nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة في "صحيحه" من حديث صفوان بن صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا، وعددها.
قال وذكر من رواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، قال: -وهو ضعيف- ثنا nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب بن أبي تميمة، وهشام بن حسان، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا، فذكر أسماء غير المتقدمة وقال: تفرد بهذه الرواية عبد العزيز. ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، في حديث nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم، ولهذا الاحتمال ترك nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم إخراج حديث الوليد هذا في الصحيح، فإن كان محفوظا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 389 ] فكأنه قصد أن من أحصى من أسماء الله تسعة وتسعين اسما دخل الجنة، سواء أحصاها مما نقلنا في حديث الوليد، أو مما نقلنا في حديث ابن الترجمان، أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة.
ولما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث صفوان بن صالح، عن الوليد، قال: هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه، والعلة فيه عندهما أن الوليد تفرد بسياقته بطوله، وذكر الأسامي فيه، ولم يذكرها غيره، وليس هذا بعلة، فإني لا أعلم اختلافا بين أئمة الحديث أن الوليد أوثق، وأحفظ، وأعلم، وأجل من nindex.php?page=showalam&ids=11931أبي اليمان، وبشر بن شعيب، وعلي بن عياش، وأقرانهم من أصحاب [شعيب]، ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه ابن الترجمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب، وهشام.
وهو حديث محفوظ عنهما مختصر دون ذكر الأسامي الزائدة عنها كلها في القرآن، وابن الترجمان ثقة، وإن لم يخرجها، وإنما خرجته شاهدا للحديث الأول، ولما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث صفوان، قال: هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان، ولا نعرفه إلا من حديثه، وهو ثقة عند أهل الحديث.
وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.
[ ص: 390 ] وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=11790آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح.