الحديث، وقد سلف في الاستئذان، ويأتي في الاعتصام في باب: وكان عرشه على الماء.
[ ص: 581 ] (وآخرة الرحل): ما يستند إليها الراكب، قال يعقوب: ولا تقل مؤخرة. وقال غيره: هي لغة قليلة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: إنها العود الذي يكون بين وركي الراكب. قال: والرحل: سرج الجمل، وقال الجوهري: الرحل: رحل البعير، وهو أصغر من القتب.
وقوله: ("ما حق العباد على الله؟ ") يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون خرج مخرج المقابلة في اللفظ، كقوله: ومكروا ومكر الله [آل عمران: 54]; لأنه قال في أوله: "ما حق الله على عباده؟ " فأتبع الثاني الأول.
والثاني: أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كقول المعتزلة، وكأنه لما وعد تعالى صار حقا من هذه الجهة; لأنه لا يخلف الميعاد. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي فيه: أنه جعل على نفسه حقا بفضله وعدله، خلافا لقول بعض الناس: إنه لو شاء عذب الخلق جميعا، وفيهم من لا ذنب له.
قلت: وهذا هو مذهب أهل الحق.
فصل:
(وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة مجاهدة النفس بالتوحيد; فإنه لا يأمر مخير)، وجهاد المرء نفسه: هو الجهاد الأكبر، وحرب العدو الأصغر، قال تعالى: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات: 40، 41]. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأصحابه وقد انصرفوا من الجهاد "أتيتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال:
[ ص: 582 ] "مجاهدة النفس"، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري: ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك به أجر، إنما عدوك نفسك التي بين جنبيك، فقاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12338أويس القرني لهرم بن حبان: ادع الله أن يصلح قلبك ونيتك، فإنك لن تعالج شيئا أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبل، إذ هو مدبر، فاغتنم إقباله قبل إدباره، والسلام عليك.
وقال علي - رضي الله عنه -: أول ما تفقدون من دينكم جهاد أنفسكم. وقد يكون جهاد النفس منعها الشهوات المباحة; توفيرا لها في الآخرة لئلا يدخل في معنى قوله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها الآية [الأحقاف: 20]. وعلى هذا جرى سلف الأمة، وقال سالم الخواص: أوحى الله إلى داود: لا تقرب الشهوات فإني خلقتها لضعفاء خلقي; فإن أنت قربتها أهون ما أصنع بك أسلبك حلاوة مناجاتي، يا داود قل لبني إسرائيل: لا تقربوا الشهوات; فالقلب المحجوب بالشهوات حجبت صوته عني.