معنى يقبض: يجمع، والخبزة: الطلمة، وهي عجين يوضع في الحفرة بعد إيقاد النار فيها.
قال الجوهري : والناس يسمون الخبزة: الملة، وإنما الملة: الحفرة نفسها، والتي تمل فيها هي الطلمة، والخبزة، والمليل.
[ ص: 11 ] وقوله: ("كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر") يريد: خبزة الملة التي يصنعها في السفر; فإنها لا ترحى كالرقاقة، وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي، قال ابن التين : كذا فسره nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، وروينا "السفر" بضم السين على أنه جمع سفرة، قال الجوهري : السفرة بالضم: طعام يتخذه المسافر، ومنه سميت السفرة.
وقوله: ("يتكفؤها") أي: يقلبها، ويميلها من كفأت الإناء: قلبته، ويقال أيضا: اكتفئت الإناء مثل كفأته، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : يصلحها بقوته لا يوصف تعالى بمماسة.
وقوله: ("نزلا لأهل الجنة") : المنزل ما يعد للضيف من الطعام والشراب، يقال: نزل ونزل بسكون الزاي وضمها، وقد قرئ بهما، وخط نزيل: مجتمع، وقيل النزل: الثواب، وقيل: الرزق، وقيل في قوله تعالى: أذلك خير نزلا [الصافات: 62] أنه الريع والفضل.
يقال: أقمت للقوم نزلهم أي: ما يصلح أن ينزلوا عليه من الغذاء. وقال الأخفش في قوله تعالى: جنات الفردوس نزلا [الكهف: 107] هو من نزول الناس بعضهم على بعض، يقال: ما وجدنا عندكم نزلا، وقيل: النزل ما يقام للضيف وأهل العسكر.
وقوله: (فضحك حتى بدت نواجذه) قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هي الأضراس، وقال غيره: هي المضاحك، وقال أبو العباس : هي الأنياب; لأن ضحكه - عليه السلام - كان تبسما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : الناجذ:
[ ص: 12 ] السن بين الناب والضرس، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي . وفي "الصحاح" وغيره: أنه أحد الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء يقال: ضحك حتى بدت نواجذه: إذا استغرب فيه.
وقوله: (ألا أخبرك بإدامهم) الإدام: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز باللحم يأدمه بالكسر، وقوله (إدامهم بالام ونون) قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : كذا رووه لنا بالباء المعجمة بواحدة. وكذا رويناه، قال: وتأملت النسخ المسموعة من أبي عبد الله من طريق حماد بن شاكر ، وإبراهيم بن معقل والفربري ، فاتفقت على نحو واحد "بالام والنون" فأما النون فالحوت، وأما بالام فشيء مبهم، وقد دل الجواب من اليهودي على أنه اسم للثور، وهو ما لم ينتظم، ولا يصح أن يكون على التفرقة اسما لشيء، فيكون اليهودي أراد أن يعمي الاسم فقطع الهجاء، وقدم أحد الحرفين فقال: "يالام" وإنما هو في حق الترتيب لازم هجاء، لأى على وزن لغى أي: ثور، يقال للثور الوحشي: لأي، وجمعه: آلاء، فصحف فيه الرواة، فقالوا: "يالام" وإنما هو "بالام" فكتبوه بالهجاء المضاعف فأشكل واستبهم كما ترى، وهذا أقرب ما يقع لي فيه، إلا أن يكون ذلك بغير لسان العرب، فإن المخبر به يهودي، فلا يبعد أن يكون إنما عبر عنه بلسانه، ويكون ذلك في لسانهم "يلا" وأكثر العبرانية -فيما يقوله أهل المعرفة بها- مقلوب على لسان العرب بتقديم الحروف وتأخيرها، وقد قيل: إن العبراني هو العرباني، فقدموا الباء، وأخروا الراء.
[ ص: 13 ] وقوله: (يأكل من زائدة كبدها سبعون ألفا) . زائدة الكبد: هي القطعة الصغيرة كالإصبع التي تكون في طرف الكبد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : يعني أن ذلك أول ما يأكل أهل الجنة ، يلعب الثور والحوت بين أيديهم، فيذكي الثور الحوت بقرنه، فيأكلون منه، ثم يعيده الله تعالى فيلتقيان قد ذكى الحوت الثور بذنبه; فيأكلون منه، ثم كذلك ما شاء الله، وفيه ترشيح لحديث: سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم وقال كعب فيما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : إن الله يقول لأهل الجنة إذا دخلوها: إن لكل ضيف جزورا وإني أجزرتكم اليوم حوتا وثورا فيجزر لأهل الجنة.
فصل:
وقوله: ("عفراء كقرصة نقي") قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : عفراء يعني: شدة البياض، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : شاة عفراء، أي خالصة البياض.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : العفرة: البياض ليس بالناصع. وقال الجوهري نحوه، قال: وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة، والقرصة والقرص: من الخبز. والنقي: الحواري، يعني: من القش والنخالة.
وقوله: ("ليس فيها معلم لأحد") يريد أن الأرض مستوية ليس فيها ما يستر البصر. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : أي لا يحوز أحد منها شيئا يكون له دون غيره، إنما لكل واحد منهم ما أدرك.
[ ص: 14 ] وقال الجوهري : المعلم: الأثر الذي يستدل به على الطريق، أي: كلها سواء.
قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل، والقول الأول أظهر; لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه، وكل جبار ومتكبر، وانقطعت نسبتهم ودعاويهم، وهذا ظاهر، وهو قول الحسن، ومحمد بن كعب ، وهو معنى قوله: "أنا الملك أين ملوك الأرض" وعند قوله: لمن الملك اليوم هو انقطاع زمن الدنيا، وبعده يكون البعث والنشور والحشر .
فصل:
فإن قلت: فما تأويل اليد عندكم، وحقيقتها في الجارحة المعلومة عندنا، وتلك التي يكون القبض والطي بها؟
فالجواب: أن لفظ الشمال أشد إشكالا، وذلك في الإطلاق على الله محال، ثم اعلم أن لليد في كلام العرب معان خمسة:
القوة، ومنه: ذا الأيد [ص: 17] والملك، ومنه: [ ص: 15 ] قل إن الفضل بيد الله [آل عمران: 73] والنعمة، تقول: كم يد لك عند فلان. أي: كم من نعمة أسديتها إليه. والصلة، ومنه: مما عملت أيدينا أنعاما [يس: 71] أي: مما عملنا نحن، وقال تعالى: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [البقرة: 237] أي: له النكاح. والجارحة، ومنه: وخذ بيدك ضغثا [ص: 44]. قلت: ولليد معان أخر: الذل، ومنه: حتى يعطوا الجزية عن يد [التوبة: 29] قال الهروي : أي عن ذل واعتراف أن دين الله عال على دينهم، وقوله: يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10] قيل: في الوفاء، وقيل: في الثواب. وفي الحديث: هذه يدي لك أي استسلمت وانقدت لك. وقد يقال ذلك للغائب. واليد: الاستسلام.
قال الشاعر:
أطاع يدا بالقول فهو ذلول
أي: انقاد واستسلم. واليد: القدرة، ومنه الآية السالفة، والسلطان، والسخاء، والحفظ والوقاية، ومنه الحديث: يد الله على الفسطاط والطاعة، والطاقة، والجماعة، والأكل، والندم. وفي الحديث: أخذتهم يد البحر يريد: طرف الساحل، ويقال للقوم إذا تفرقوا وتمزقوا في الآفاق: صاروا أيدي سبا. وفي "المحكم": يد القوس: أعلاها. وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: السية اليمنى، يرويه عن أبي (زياد) الكلابي ، ويد السيف: مقبضه، ويد الرحى: العود الذي يقبض عليه الطاحن، ويد الطائر: جناحه، وقالوا: لا آتيه يد الدهر، أي: الدهر، هذا قول أبي عبيد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : معناه:
[ ص: 16 ] لا آتيه الدهر كله، ولقيته أول ذات يدي، أي: أول شيء. وحكى اللحياني : أول ذات يدي، فإني أحمد الله. وفي "المغيث": وفي الحديث: اجعل الفساق يدا يدا، ورجلا رجلا أي: فرق بينهما في الهجرة. واتبعت (الغنم) باليدين، أي: بيمينين مختلفين، بعضها بيمين، وبعضها بيمين آخر، ويد الثوب: ما فضل منه إذا تغطيت به والتحفت.
وعند القزاز : وأعطاه عن ظهر يد، أي ابتداء لا عن بيع، ولا عن مكافأة، ويد الشيء: أمامه، ويقال لمن أتى شيئا: قد ألقى يده في كذا، وهذا عيش يد، أي: واسع.
وفي "المغرب": بايعته يدا بيد، أي: بالنقد. فهذه معان شتى لها، واليد هنا: القدرة وإحاطته بجميع مخلوقاته، يقال: ما في قبضة الله، يريدون: في ملكه وقدرته.
فصل:
قد سلف معنى القبض أنه الجمع، وكذا الطي، وقد يكون معناها: إفناء الشيء وإذهابه بقوله تعالى: والأرض جميعا قبضته [الزمر: 67] يحتمل أن يكون المراد به: والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة، وقوله: والسماوات مطويات بيمينه [الزمر: 67] ليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب، وإنما المراد بذلك الذهاب والفناء. يقال: قد انطوى عنا ما كنا فيه، وجاءنا غيره، وانطوى عنا الدهر بمعنى الفناء والذهاب.
أن هذا مذهب المجسمة من اليهود والحشوية، تعالى الله عن ذلك، وإنما المعنى حكاية الصحابي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=662004يقبض أصابعه ويبسطها . وليس اليد في الصفات بمعنى الجارحة حتى يتوهم بثبوتها ثبوت الأصابع، فدل على أنه - عليه السلام - هو الذي يقبض أصابعه ويبسطها. وذكر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب والسنة المقطوع بصحتها.
أما إطلاق الجارحة هنا فمحال، تقدس الله عن ذلك، وهو هنا [ ص: 18 ] بمعنى القدرة على الشيء ويسر تقليبه، وهو كثير في كلامهم.
[ ص: 19 ] فلما كانت السماوات والأرض أعظم الموجودات قدرا، وأكثرها خلقا، كان إمساكها بالنسبة إلى الله كالشيء الحقير الذي نجعله نحن بين أصابعنا، ونتصرف فيه كيف شئنا، فتكون الإشارة بقوله: ثم يقبض أصابعه ويبسطها، ثم يهزهن كما في بعض ألفاظ nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . أي: هذه في قدرته كالحبة (مثلا) في كف أحدنا التي لا يبالي بإمساكها، ولا بهزها، ولا بحركتها، والقبض والبسط عليها، ولا يجد في ذلك صعوبة ولا مشقة، وقد تكون الإصبع في كلام العرب بمعنى: النعمة، وهو المراد بقوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=848737إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن أي: بين نعمتين من نعمه، يقال: لفلان علي إصبع أي: أثر حسن إذا أنعم عليه نعمة حسنة، وللراعي على ماشيته إصبع: أي أثر حسن، وفيه عدة أشعار.
وقد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع وابن مقسم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فلم يذكر فيه الشمال.
[ ص: 20 ] ورواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر واحد منهم الشمال.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : روي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة، إلا أنه ضعيف بمرة، وكيف يصح ذلك مع ما صح عنه أنه سمى كلتا يديه يمينا، وكأن من قال ذلك أرسله من لفظه على ما وقع له إذ عادة العرب ذكرها في مقابلة اليمين.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليد شمال; لأن الشمال محل النقص والضعف، وليس معنى اليد عندنا الجارحة، وإنما هي صفة جاء بها التوقيف، فنحن نطلقها على ما جاءت، وننتهي إلى حيث انتهى بها الكتاب والسنة المأثورة الصحيحة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وقد تكون اليمين في كلام العرب بمعنى القدرة والملك، ومنه قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم [النساء: 3] يريد: الملك، وقال لأخذنا منه باليمين [الحاقة: 45] أي: بالقوة والقدرة، أي: أخذنا قوته وقدرته، كذا ذكره الفراء ، وأنشد فيه للشماخ وغيره، وقد تكون في كلامهم بمعنى التبجيل والتعظيم، تقول: فلان عندنا باليمين. أي: بالمحل الجليل، وأنشد عليه.
إن قلت: أين يكون الناس عند طي الأرض؟ قلت: يكونون على [ ص: 21 ] الصراط، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - وفي رواية ثوبان عنده أيضا: هم في الظلمة دون الجسر. وهذا نص على أن الأرض والسماء تبدل وتزال، ويخلق الله أرضا أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الصراط ، كما قال كثير من الناس: إن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها، (وتسوية) آكامها، ونسف جبالها، ومد أرضها.
[ ص: 22 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : كذا رواه جرير بن أيوب ، وليس بالقوي، وخالفه أصحاب أبي إسحاق ، فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عنه موقوفا على عبد الله ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16723عمرو بن ميمون -قال مرة عن عبد الله - ولم يجاوز به nindex.php?page=showalam&ids=16723عمرو بن ميمون ، كذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا: "تبدل الأرض نارا، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها" وقال أبو الجلد جيلان بن فروة : إني لأجد فيما أقرأ من كتب الله أن الأرض تشتعل نارا يوم القيامة. وقال علي : تبدل الأرض فضة، والسماء ذهبا . وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين : تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة، ثم قرأ: وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام [الأنبياء: 8] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير، ومحمد بن كعب : تبدل خبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة قال: تبدل بيضاء مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب.
[ ص: 23 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب قال: حدثني nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق في صعيد واحد، ثم ذكر قبض السماوات على أهلها .
وفي رواية ابن السائب عن أبي صالح عنه، وسئل عن هذه الآية فقال: يزاد فيها وينقص منها، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها، وتمد مد الأديم العكاظي، أرض بيضاء مثل البيضة، لم يسفك عليها دم حرام، ولم يعمل عليها خطيئة، والسماوات يذهب شمسها، وقمرها، ونجومها . وقد يقال: السماوات مستأنفة لا يبدل منها شيء، (ويقال: تبدل) فتذهب، وتجعل سماء أخرى غيرها.
قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : وهذا مروي في "الصحيح".
[ ص: 24 ] وروي عن علي بن حسين أنه قال: إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدميه ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في "تفسيره".
والصواب ما أسلفناه; فإن قلت: (بدل) في كلام العرب معناه: تغيير الشيء، ومنه: بدلناهم جلودا غيرها [النساء: 56] و فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم [البقرة: 59] ولا يقتضي هذا إزالة العين، وإنما معناه: تغيير الصفة، ولو كان المعنى الإزالة لقال: تبدل بالتخفيف من: أبدلت الشيء: إذا أزلت عينه وشخصه، قيل: قد قرئ قوله تعالى: أن يبدلنا خيرا منها [القلم: 32] بالوجهين بمعنى واحد، وقال: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور: 55] وقال: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات [الفرقان: 70] كذا ذكره في "الصحاح" وبدله الله من الخوف (أمنا) وتبديل الشيء أيضا: تغييره، فقد دل القرآن وكلام العرب أن بدل وأبدل بمعنى، وقد فسر الشارع أحد المعنيين فتعين.
[ ص: 25 ] وقال كعب : تصير السماء دخانا، وتصير البحار نيرانا، وقيل: تبديلها: أن تطوى كطي السجل للكتاب، ذكر ابن حيدرة شبيب في "إفصاحه" أنه لا تعارض بين هذه الآثار، وأن الأرض والسماوات تبدل كرتين هذه الأولى، وأنه سبحانه قبل نفخة الصعق يغير صفاتها، فتنتثر أولا كواكبها، وتكسف شمسها وقمرها وتصير كالمهل، ثم يكشف عن رءوسهم، ثم تسير الجبال، ثم تموج الأرض، ثم تصير البحار نيرانا، ثم تنشق الأرض من قطر إلى قطر; فتصير الهيئة غير الهيئة، والبنية غير البنية، ثم إذا نفخ في الصور نفخة الصعق طويت السماء، ودحيت الأرض، وبدلت السماء سماء أخرى، وهو قوله وأشرقت الأرض بنور ربها [الزمر: 69] وبدلت الأرض وأعيدت كما كانت فيها القبور والبشر على ظهرها، وفي بطنها، وتبدل الأرض أيضا تبديلا (ثانيا) وذلك إذا وقفوا في المحشر فتبدل لهم الأرض التي يقال لها: الساهرة، يحاسبون عليها، وهي أرض عفراء، وهي البيضاء من فضة، لم يسفك عليها دم حرام قط، ولا جرى عليها ظلم قط، وحينئذ يقوم الناس على الصراط، وهو لا يسع (جميع) الخلق، وإن كان قد روي أن مسافته ألف سنة صعودا، وألف سنة هبوطا، وألف سنة استواء، ولكن الخلق أكثر من ذلك، فيقوم من فضل على الصراط على متن جهنم، وهي كإهالة، وهي الأرض التي قال عبد الله : إنها أرض من نار يعرق فيها البشر، فإذا حوسب الناس عليها -أعني: الأرض المسماة بالساهرة- وجاوزوا الصراط، وجعل [ ص: 26 ] أهل الجنان من وراء الصراط، وأهل النيران في النار، وقام الناس على حياض الأنبياء يشربون، وبدلت الأرض كقرصة نقي; فأكلوا من تحت أرجلهم، وعند دخولهم الجنة كانت خبزة واحدة يأكل منها جميع (الخلق) ممن دخل الجنة وإدامهم زيادة كبد (ثور الجنة، وزيادة كبد) النون.