هذا الحديث سلف قريبا في الدعاء (وما) بمعنى: الذي، والضمير محذوف من الصلة، وكذلك إن جعلت ما والفعل مصدرا دل على ذلك، إلا أنه ضمير محذوف في الكلام، ومن قرأ شرا جعل ما نافية، وهو غلط; لأن تقديره عنده: ما خلق شرا.
وجهد البلاء: أقصى ما يبلغ، وهو الجهد بضم الجيم وفتحها، والمجهود، وإذا كسرت الباء من البلاء قصرت، وقال ( nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما-) : و"جهد البلاء": كثرة العيال، وقلة الشيء، وقد يكون ذلك كل بلاء شديد.
وقد ذكر في الدعاء في باب التعوذ من جهد البلاء، عن سفيان أنه قال: الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة، ولا أدري أيتهن هي.
[ ص: 173 ] "ودرك الشقاء": إدراكه الإنسان، وهو ما يدركه في دنياه من شدة المعيشة، ووصول الضرر من جهدها، والشقاء يمد ويقصر.
"وسوء القضاء": ما يسوء الإنسان منه ويحزنه.
"وشماتة الأعداء": فرحهم بما يدرك عدوهم من مكروه. قيل: وهي من أصعب البلاء. ألا ترى قول هارون لأخيه عليهما السلام: فلا تشمت بي الأعداء [الأعراف: 150]
وكذلك "سوء القضاء" عام في جميع ما قضاه الله تعالى في أمر الدين والدنيا، "وشماتة الأعداء" وإن كانت مضافة إليهم إضافة الفعل إلى فاعله في الظاهر، فإنما ذلك على سبيل إضافة الكسب إلى مكتسبه، لا على سبيل الاختراع؛ إذ لا يصح في المخلوق اختراع عين، فبان أن جميع ما أمرنا بالتعوذ منه تعالى خلق لله، بدليل قوله: الله خالق كل شيء [الرعد: 16]
فصل:
المستفاد من قوله -عز وجل-: قل أعوذ برب الفلق [الفلق: 1] إلى آخر السورة: خلق الله تعالى لشر ما خلق، ولشر غاسق، ولشر النفاثات، ولشر حاسد; لأنه لو كان هذا الشر كله خلقا لمن أضافه [ ص: 174 ] إليه من الغاسق إلى آخره مخترعا لا كسبا، لم يكن لأمر الله لنبيه (ولا) لعباده من التعوذ به من شر ذلك كله معنى، وإنما يصح التعوذ به تعالى بما هو قادر عليه دون من أضافه إليه، فيعيذنا تعالى بسؤاله دفع شر خلقه عنا; لأنه إذا كان قادرا على ما أضافه إلى من ذكر في السورة كان قادرا على فعل ضده.
ويعيذنا بسؤاله تعالى فعل ضد ما أمرنا بالاستعاذة منه، فبان أن الخير والشر بهذا النص خلق الله تعالى.