تضمنت أحاديث الباب وآثاره جواز النيابة في الصلاة والحج وغيرهما إذا مات من يناب عنه ، ولا شك في دخول النيابة في الأفعال المتضمنة المال فقط كالصدقة، وكذا عندنا في الأفعال البدنية كالحج، ومشهور مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن النيابة فيه مكروهة، وينفذ إن أوصى به.
[ ص: 384 ] ووقع في كتاب محمد في امرأة أوصت أن يحج عنها إن حمل ذلك ثلثها، فإن لم يحمل جعل في رقبته يحمل ذلك عليها، قال: يعتق عنها ولا تحج فلم يجز ذلك، ولو كان ذلك بوصية (الميت).
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ولا ينبغي أن يحج أحد عن حي زمن أو غيره، ولا أن يتطوع عن ميت ضرورة كان المحجوج عنه أم لا، وليتطوع عنه بغير ذلك أحب إلي، قال: وهذه دار الهجرة لم يبلغنا أن أحدا منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج عن أحد ولا أمر بذلك ولا أذن فيه.
قلت: صح ذلك عن سيد البشر، ففي السنن الأربعة من حديث أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، فقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=849462 "حج عن أبيك واعتمر" قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في "صحيحه" nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في "مستدركه" قال: صحيح على شرط الشيخين. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في "خلافياته": رواته ثقات. وقال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود منه ولا أصح منه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : إن حج عن الشيخ الكبير أجزأه، وقيل nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : أمرني رجل أن أحج عنه وهو حي، قال: افعل ما أمرك به، والحج عن الميت سلف مستوفى في كتاب الحج.
فصل:
وأما الفعل الذي يتضمن فعل النذر خاصة كالصلاة والصوم، فالمشهور من مذاهب الفقهاء أنه لا يفعل، وقال محمد بن عبد الحكم : يصام عنه، وهو القديم nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي وصحت به الأحاديث فهو المختار، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وأهل الظاهر أيضا، وقالوا: إن أحب أن يكتري عنه من يصوم عنه جاز، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال إجماع الفقهاء أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضا ولا سنة، لا عن حي ولا عن ميت . وليس كما ذكر بل فيه الخلاف.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : ولو جاز أن يصلي أحد عن أحد لجاز ذلك في جميع ما يلزم الأبدان من الشرائع، ولجاز أن يؤمن إنسان عن آخر، وما كان أحد أحق بذلك من الشارع أن يؤمن عن أبويه أو عن عمه أبي طالب ، ولما نهي عن الاستغفار لمن استغفر له ولبطل معنى قوله تعالى: ولا تكسب كل نفس إلا عليها [الأنعام: 164] وإنما أراد -والله أعلم- كسب الفرائض، وأما النوافل فقد أمر - عليه السلام - (الأحياء) بقضائها عن الأموات وغيرهم تبرعا بذلك.
وقال جمهور العلماء: ليس ذلك على الوارث واجبا، وإن فعل فقد أحسن إن كان صدقة أو عتقا، واختلفوا في الصوم وفيما إذا أوصى به، فقالت طائفة: هو في ثلته، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وقال آخرون: كل واجب إذا أوصى به فهو من رأس ماله، وأما أثر nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - بالصلاة بقباء nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس نحوه، فهو على وجه الرأي لا على وجه الإلزام.
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس خلاف ما حكى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عنهما. ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "الموطأ": أنه بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، وروى أيوب بن موسى عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد .
وقوله: فكانت سنة بعد أي: سنة في الحض على التبرر عن الميت. قال ابن القابسي : وهذا يدل أن الموتى ينفعهم العمل الصالح، وإن كان من غير أموالهم، وقد قال تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم: 39] فعل هذا سنة لمن فعله.
وليس في هذا بيان النذر المذكور، بل الظاهر في الحديث أنه وصية، والوصية غير النذر، ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذرا كان أو غيره .
[ ص: 388 ] قلت: وجاء في حديث أنه (...). وقال آخرون: كان نذرا مطلقا لا ذكر فيه لصيام ولا عتق ولا صدقة. قالوا: ومن جعل على نفسه نذرا منها فكفارته كفارة يمين، روي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وهو قول جمهور الفقهاء، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : أن النذر المبهم أغلظ الأيمان، وله أغلظ الكفارات عتق أو كسوة أو إطعام.
قال: والصحيح قول من جعل فيه كفارة يمين لما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن إسماعيل بن رافع ، عن خالد بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=37487 "من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين" .
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : قوله: "أرأيت لو كان عليها دين" هو تمثيل منه وتعليم لأمته القياس (والاستدلال) وبين ذلك أن الديون لازمة للأموات في ذمتهم، فإن لم يكن لهم ذمة من المال لم يلزمهم الدين إلا في الآخرة، فحذر الشارع من أن يبقى على الميت تباعة من دين كان، أو بحلفه، أو من طاعة كان نذرها، وعرف أن ما لزمه لله أحق أن يقضى بما لزم لأحد من عباده حضا وندبا.