الفرائض: جمع فريضة; فعيلة من الفرض وهو التقدير; لأن سهمان الورثة مقدرة، ومنه قوله تعالى فنصف ما فرضتم [البقرة: 237] أو الجزء، ومنه قوله تعالى نصيبا مفروضا [النساء: 7] أي: منقطعا محدودا، أو الوجوب والإلزام، أقوال، ويقال للعالم بها: فرضي، وفارض، وفريض، كعالم وعليم، حكاه صاحب "المحكم" عن nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي .
فصل:
فأما الآية فمعنى يوصيكم يفرض عليكم، كقوله ذلكم وصاكم به [الأنعام: 151] ومن له فرض بدئ به، فإن فضل للعاصب على حسبه ، والولد يشمل ولد الصلب، ذكرا كان أو أنثى: ولد الابن وبني الابن، وكذلك الذين ينسبون بآبائهم إليه من الذكور والإناث بحسب القرب، فإن كان في ولد الصلب ذكر حجب ولد الولد، وإلا بدئ ببنت الصلب، فأعطيت النصف (والبنتين فصاعدا الثلثان) ثم ما بقي فلولد الابن عند الاستواء، أو كان الذكر فيمن أسفل من بنات البنين فللذكر مثل حظ الأنثيين.
قال إسماعيل بن إسحاق : لم يذكر الله الاثنتين في كتابه، فكان في قوله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء: 11] دليل أنه إذا كان ذكرا [ ص: 451 ] أو أنثى للذكر (الثلث) وللأنثى الثلث، فإذا وجب لها مع الذكر الثلث كان الثلث لها مع الأنثى أوكد، فاحتيج إلى ذكر ما فوق الاثنين، ولم يحتج إلى ذكر الأنثيين، وقيل: فوق في قوله فوق اثنتين : زائدة، كقوله فاضربوا فوق الأعناق [الأنفال: 12].
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : في الآية نفسها دليل أن للأنثيين الثلثين ، فإنه قال للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء: 11] وأقل العدد ذكر وأنثى، فإذا كان للواحدة الثلث دل على أن (للابن) الثلثين; ولأن لبنت الابن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين; لأنها تقوم مقام البنت الباقية في استغراق (الثلثين).
ومع هذا كله فقد صح من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - أعطى البنتين الثلثين، أخرجه أبو دواد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، وخالف nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال: للبنتين النصف.
فصل:
وقوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد [النساء: 11] يعني بـ(أبويه): أبوي الميت، وسواء فيه الوالد والوالدة لا يزاد واحد منهما على السدس، ويشمل (الولد) الذكر والأنثى الواحد والجماعة. وأما زيادته على ذلك مع البنت وبنت الابن فمن باب الجمع بين الفرض والتعصيب لقربه.
[ ص: 452 ] قال إسماعيل بن إسحاق : ولم يذكر فرضهما إذا كان للميت زوج أو زوجة، وحكمه أن يعطى الزوج إما النصف وإما الربع، والزوجة إما الربع وإما الثمن، ثم ينظر إلى ما بقي; لأن النقيصة لما دخلت عليها من قبل الزوج أو الزوجة وجب أن تكون داخلة عليها على قدر حصتهما.
وقد أجمعت الأمة أن للأخ الواحد مع الأخت الواحدة للذكر مثل [ ص: 453 ] حظ الأنثيين [النساء:11] فقد دخلا في لفظ الجماعة بنص القرآن، وشذ nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال: الإخوة الذين عنى الله بقوله: وإن كانوا إخوة [النساء: 176] ثلاثة فصاعدا، وكان ينكر أن (تحجب) الأم عن الثلث مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة، وكان يقول في أبوين وأخوين: للأم الثلث وللأب ما بقي كما قال أهل العلم في أبوين وأخ واحد، وقول جماعة أهل العلم في أبوين وأخوين: للأم السدس وباقي المال للأب، ولا: يوجد في جميع القرآن على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت مسألة يحجب فيها من لا يرث غير هذه.
واختلف العلماء (لما نقصت) الأم عن الثلث بمصير إخوة الميت معها اثنين فصاعدا، فقالت طائفة: نقصت الأم وزيد الأب; لأن على الأب مؤنتهم وإنكاحهم دون أمهم، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، وقالت طائفة: إنما يحجب الإخوة الأم عن الثلث إلى السدس ليكون لهم دون أمهم. رواه طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله تعالى إنما فرض للأم مع الإخوة السدس لما هو أعلم به من مصلحة خلقه، وقد يجوز أن يكون لما ألزم الآباء لأولادهم، وقد يجوز أن يكون لغير ذلك، وليس ذلك بما كلفنا علمه، وإنما أمرنا بالعمل لما علمنا، وما (رواه) nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مخالف للآية; لأنه لا خلاف بين الجميع أنه لا ميراث لأخي الميت مع والده، فبان فساده.
[ ص: 454 ] وكذا قال ابن التين : أجمعت الفقهاء على أن الإخوة اثنان فصاعدا، إلا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فإنه قال: ثلاثة فصاعدا، وروي نحوه عن معاذ ، قال: وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في زوج وأم وجد وأخوين لأم وأخوين لأب; أنه جعل للجد الثلث وقال: هو حجب الأخوين للأم عنه، ولولا هو لكان لهما دون الأخوين للأب، قال: وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يجعل للإخوة من الأب السدس الذين حجبوا الأم عنه.
واختلف على قوله: هل يكون للإخوة من الأم خاصة أو لجميع الإخوة؟ فإذا قلنا لجميعهم: هل تقسم على عدد الرءوس أو للذكر مثل حظ الأنثيين؟
والكلالة تقدم الكلام عليها في التفسير في تفسير سورة النساء، ونقل الإجماع على أن المراد بهذه الآية الإخوة للأم، وأكثرهم على أنه: من لا ولد له ولا والد، وهو قول أبي بكر وعمر وعلي وزيد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والمدنيين والبصريين والكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وروي عنه وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : من لا ولد له. واختلف الناس بعدهم في اسمها، فقال البصريون : روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه اسم للميت إذا لم يخلف ولدا.
وقال المدنيون (والكوفيون) : هو اسم للورثة الذين لا ولد فيهم ولا والد، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري لحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر في الباب، وحديث سعد : nindex.php?page=hadith&LINKID=849144 "ليس يرثني إلا كلالة" .
قال إسماعيل : ولم يختلف العلماء أن قوله تعالى: وله أخ أو أخت [النساء: 12] أنهم الإخوة للأم، وقال تعالى يستفتونك الآية [النساء: 176] فلم يختلفوا في أن هؤلاء الإخوة لأب -كانت أمهم واحدة أو كانت الأمهات شتى- والدليل على إبانة هؤلاء من أولئك قوله تعالى في هؤلاء للذكر مثل حظ الأنثيين إذ كانوا يأخذون بالأب، وجعل لهم المال كله في بعض الحالات، وقال في الأخرى فهم شركاء في الثلث [النساء: 11]. فجعل الذكر والأنثى سواء; إذ كانوا يأخذون بالأم خاصة فقصرهم على الثلث.
روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في عول الفرائض أنه كان لا يعيل فريضة، ولا نعلم أحدا من الصحابة وافقه عليه، وكان ينكر أن يكون جعل في مال نصف ونصف وثلث، وكان يرى في مثل هذا إذا وقع أن يعطي أولا أصحاب الفرائض ومن لا يزول في حال ويعطي الآخر ما بقي، مثاله: زوج وأم وأخت لأبيها; بدئ بالأولين كاملا; لأن كلا منهما لا يزالان عن فرض إلى فرض بخلاف الأخت; فإنها تزول من فرض إلى غيره، فلا تعطى في بعض الأحوال شيئا، فكان هذا كما وصفنا.
وأما الآخرون فأشركوا بين أصحاب الفرائض كلهم وحاصوا بينهم، وهو الذي أجمع عليه أهل العلم; لأن كل واحد قد فرض له فريضة; فليس يجب أن يزيله عنها إلا من يحجب عنها فالتحاص متعين، ولو أن رجلا أوصى بنصف ماله لرجل وبنصف ماله لآخر وبثلث ماله لآخر، فأجاز الورثة ذلك وجب التحاص، فيضرب صاحب النصف بثلاثة [ ص: 457 ] أسهم وصاحب النصف الآخر بثلاثة وصاحب الثلث سهميه، فإن لم يجز الورثة ذلك تحاصوا في الثلث على هذه السهام.
فصل:
حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر - رضي الله عنه - سلف، قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : وفيه دليل أنه لا يجوز لأحد أن يقضي بالاجتهاد في مسألة ما دام يجد سبيلا إلى النصوص وكيف وجه استعمالها، ولو جاز أن يجتهد في محضر الشارع دون أن يشاوره لما قال له: كيف أصنع في مالي، وكذلك لو جاز للشارع أن يجتهد رأيه فيما لم ينزل فيه قرآن لأمره بما ظهر له ولكن سكت عنه حتى يأتي الأمر من شارعه تعالى، فهذا من أقوى شيء في سؤال العلماء، وترك الاجتهاد في موضع يجب فيه الاقتداء بمن تقدم وبالأعلم فالأعلم.
والوارثون من الرجال عشرة، ومن النساء سبعة ، وهم مقدمون على ذوي الأرحام، ثم منهم عصبة وذو فرض، فالذكور كلهم عصبة إلا الزوج، والأخ من الأم، (والأب) والجد مع الابن وابنه، والإناث كلهن ذوات فروض إلا المولاة المعتقة، والأخوات مع [ ص: 458 ] البنات عصبة لهن ما فضل، وليست لهن فريضة معهن، ومن يعصبها أخوها أو ابن عمها.
وأن هؤلاء يرثون في حال ويحجبون حجب إسقاط في حال سوى خمسة: الزوجان والأبوان وولد الصلب.
امرأتان ترثان رجلين دونهما : أم الأب ترث ابن بنتها ولا يرثها، والمولاة المعتقة ترث عتيقها ولا يرثها.
أربعة ذكور يعصبون أخواتهم ويمنعونهن الفرض، ويقتسمون ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين : البنون وبنوهم وإن سفلوا، والإخوة الأشقاء ومن الأب، ولا يراعى في تعصيب الذكور والإناث الإضرار بهن ولا التوفير عليهن، ومن عدا هؤلاء من العصبات ينفرد ذكورهم بالميراث دون الإناث كبني الإخوة والأعمام وبنيهم، وهذا العلم له كتب مؤلفة فلا نطول به، (وقد ذكرت مهمها في "شرح فرائض الوسيط" في مجلد فسارع إليه).