[ ص: 124 ] ثم ساق حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في قصة العرنيين السالفة في الطهارة ، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ذهب في هذا الحديث - والله أعلم - إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة ، ولم يبن ذلك في الحديث .
وقد بين nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في روايته فقال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس فذكره ، وفي آخره قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنما جزاء [ المائدة : 33 ] الآية كلها ، وذكر مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وممن قال : إن هذه الآية نزلت في أهل الشرك : الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك والكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، إلا أن بعض هؤلاء يقولون : إن حد المحارب على قدر ذنبه ، على ما في تفسيره .
قال ابن القصار : وقيل : نزلت في أهل الذمة الذين نقضوا العهد ، وقيل في المرتدين ، وكله خطأ ، وليس قول من قال : إن الآية وإن كانت نزلت في المسلمين مناف في المعنى لقول من قال بأنها نزلت في أهل الردة والمشركين ؛ لأن الآية وإن كانت نزلت في المرتدين بأعيانهم فلفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد في الأرض .
[ ص: 125 ] ألا ترى أن الله جعل قصر الصلاة في السفر بشرط الخوف ، ثم ثبت القصر للمسافرين وإن لم يكن خوف ؛ لما يجمعهما في المعنى وظاهر القرآن ، وما مضى عليه عمل المسلمين يدل على أن هذه الحدود نزلت في المسلمين ، كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=12425القاضي إسماعيل ؛ لأن الله تعالى قال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب [ محمد : 4 ] وقال : وقاتلوا المشركين كافة [ التوبة : 36 ] فلم يذكر فيهم إلا القتل والقتال ؛ لأنهم إنما يقاتلون على الديانة ، لا على الأعمال التي يعملونها من سرقة أو قطع طريق أو غيره .
وإذا ذكرت الحدود التي تجب على الناس من الحرابة والفساد في الأرض أو السرقة وغيرها لم تسقط عن المسلمين ؛ لأنها إنما وجبت من طريق أفعال الأبدان لا من طريق اعتقاد الديانات ، ولو كان حد المحارب في الكافر خاصة لكانت الحرابة قد نفعته في أمور دنياه ؛ لأنا نقتله بالكفر ، فإن كان إذا أحدث الحرابة مع الكفر جاز لنا أن نقطع يده ورجله من خلاف ، أو ننفيه من الأرض أو نقتله ، فقد خفف عنه العقوبة .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور على أن من زعم أنها نزلت في أهل الشرك بقوله تعالى : إلا الذين تابوا [ البقرة : 160 ] الآية ، قال : ولا أعلم خلافا بين العلماء في المشركين لو ظهر عليهم ، وقد قتلوا وأخذوا الأموال ، فلما صاروا في أيدي المسلمين وهم على حالهم تلك أسلموا قبل أن يحكم عليهم بشيء ، أنهم لا يحل قتلهم ، فلو كان الأمر على ما قال من خالف قولنا كان قتلهم والحكم عليهم من الآية ( لازما ) وإن أسلموا ، فلما نفى أهل العلم ذلك دل على أن الحكم ليس فيهم .
[ ص: 126 ] قال إسماعيل : وإنما يسقط عنهم القتل ، وكل ما فعلوه بقوله تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] والذي عليه قول شيوخ أهل العلم أن المعني بهذا المسلمون ، وإنهم إذا حاربوا فتابوا من قبل أن يقدر عليهم فإن الحدود تسقط عنهم ؛ لأنها لله ، وأما حقوق العباد فإنها لا تسقط عنهم ( ويقتص منهم من النفس والجراح ) وأخذ ما كان معهم من المال أو قيمة ما استهلكوا ، فهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك والكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور فيما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر .
وأما ترتيب أقوال العلماء الذين جعلوا الآية نزلت في المسلمين في حد المحارب المسلم ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إذا أشهر السلاح وأخاف السبيل ولم يقتل ، ولا أخذ مالا كان الإمام مخيرا فيه ، فإن رأى أن يقتله أو يصلبه أو يقطع يده ورجله من خلاف أو ينفيه من الأرض فعل ذلك .
وقال الكوفيون nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : إذا لم يقتل ولا أخذ مالا لم يكن عليه إلا التعزير ، وإنما يقتله الإمام إن قتل ، ويقطعه إن سرق ، ويصلبه إذا قتل وأخذ المال ، وينفيه إذا لم يفعل شيئا من ذلك ، ولا يكون الإمام مخيرا فيه .
قال إسماعيل : فأجروا حكم المحارب كحكم القاتل غير المحارب ، ولم توجب المحاربة عندهم شيئا ، وقد ركب ما ركب من الفساد في الأرض ، وقد قال تعالى : من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا [ المائدة : 32 ] فجعل الفساد بمنزلة القتل ، والمعنى - والله أعلم - من قتل نفسا بغير نفس ، أو بغير فساد في الأرض ، فلم يحتج إلى أن تعاد ( غير ) وعطف الكلام على
[ ص: 127 ] ما قبله ، فجعل الفساد عدلا للقتل ، وإذا كان الشيء بمنزلة الشيء فهو مثله ، فكأن الفساد في الأرض بمنزلة القتل ، هذا قول إسماعيل وعبد العزيز بن أبي سلمة ، قال إسماعيل : والذي يعرف من الناس من الكلام في كل ما أمر به فقيل افعلوا كذا وكذا ، فإن صاحبه مخير .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك : كل شيء في القرآن ( أو ) ( أو ) فهو خيار ، واحتج من أسقط التخيير بقوله - عليه السلام - :" nindex.php?page=hadith&LINKID=656370لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " الحديث .
فجاوبهم أهل المقالة الأولى بأن ظاهره يدل أن المحارب غير داخل فيه ؛ لأن قاتل النفس في غير المحاربة إنما أمره القتل أو الترك إلى ولي المقتول ، وأمر المحارب إلى السلطان ؛ لأن فساده في الأرض لا يلتفت فيه إلى عفو المقتول ، فعلمنا بهذا أن المحارب لا يدخل في هذا الحديث ، وإنما يدخل فيه القاتل الذي أمره إلى ولي المقتول إذا قتل فيه ، أو قتل نفسا بغير نفس ، فكأنه على مجرى القصاص ، ولو كان على العموم لوجب أن يقتل كل قاتل قتل مسلما عمدا .
وقد رأينا مسلما قتل مسلما عمدا لم يجب عليه القتل في قول جماعة المسلمين ، وذلك أنهم أجمعوا في قتلى الجمل وصفين أنهم لا تقاص بينهم إذ كان القاتل المسلم إنما قتل بتأويل لم يقتله لثائرة بينه وبينه ، ولا قصد له في نفسه ، وإنما قصد في قتله للديانة عنده فسقط القتل عنه لذلك ، وكذلك أمر المحارب إنما كان قصده قتل المسلم لقطع
فمفارقة الجماعة دالة على الفساد في الأرض نحو الخوارج والمحاربين ، فإذا كان الخوارج يحل قتلهم وليسوا بمرتدين لفسادهم في الأرض ، كذلك يحل قتل المحاربين وإن لم يكونوا قتلوا ، ولا ارتدوا ؛ لفسادهم في الأرض .
واختلف في صفة نفي المحارب ، فعند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أنه ينفيه إلى غير بلده ، وعنه : يحبسه فيه حتى تظهر توبته ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يحبسهم في بلدهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ينفيهم ، إذا هربوا بعث الإمام خلفهم ، وطلبهم ليأخذهم ويقيم عليهم الحد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : قال بعضهم : ينفى من البلد التي هو فيها إلى بلدة غيرها ، كما يفعل بالزاني ، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : ينفى من عمله ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر .
وقال أبو الزناد : كانوا ينفون إلى دهلك وتلك الناحية .
وقال الحسن : ينفى حتى لا يقدر عليه ، قال ابن القصار والنفي بعينه أشبه بظاهر القرآن ؛ ولقوله تعالى : أو ينفوا من الأرض [ المائدة : 33 ] وهذا يقتضي أن ينفيهم الإمام ، كما يقتلهم أو يصلبهم ، وما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة من الحبس في بلدهم ، فالنفي ضد الحبس ، وليس
[ ص: 129 ] يعقل من النفي حبس الإنسان في بلده ، وإنما يعقل منه إخراجه من وطنه وهو أبلغ في ردعه ، ثم يحبس في المكان الذي يخرج إليه حتى تظهر توبته ، هذا حقيقة النفي وهو أشد في الردع والزجر ، وقد قرن الله تعالى مفارقة الوطن بالقتل فقال ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم الآية [ النساء : 66 ] .
فصل :
نقل ابن التين عن بعض المتأخرين أنه إذا أخذ المحارب بحضرة خروجه ولم يقع منه حرب عوقب ، ولا يجري عليه شيء من أحكام المحاربة ؛ لأنه لم يحارب ، وفي " المدونة " : ليس كل المحاربين سواء ، منهم من يخرج بعصا ويوجد على تلك الحال ، ولم يخف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فأمره أن يجلد وينفى ، ويسجن في الموضع الذي نفي إليه .
وعند محمد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : أن للإمام أن يقتله إذا شاء ، أو يقطعه من خلاف ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان : أنه ينفى ولا يضرب وأن ضربه ظلم ؛ لأن الله لم يذكر الضرب مع النفي .
فصل :
ومشهور مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه لا بد من قتل المحارب ، وفيه خلاف منتشر .
فصل :
ومعنى ( اجتووا المدينة ) : كرهوا المقام بها .
[ ص: 130 ] ومعنى ( سمل أعينهم ) : فقأها . ومعنى ( لم يحسمهم ) : لم يكوهم بالنار لينقطع الدم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : لم يدخل ما قطع منهم في زيت ، وإنما لم يحسمهم ؛ لأن قتلهم كان واجبا بالردة ، فمحال أن يحسم به من يطلب نفسه ، وأما من يتوجب قطع يده في حد من حدود الله ، فالعلماء مجمعون على أنها لا بد من حسمها ؛ لأنه أقرب ( إلى الله ) وأبعد من التلف كما سأذكره في الباب بعد .