هذه الآية أصل في الديات فذكر فيها ديتين وثلاث كفارات ، ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام ، وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم ، فقال : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان كناية عن المؤمن السالف ، وقوله : من قوم معناه عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : في قوم فعبر بـ ( من ) عن ( في ) إبدالا لحروف الجر بعضها من بعض ، ثم ذكر الدية والكفارة بقتل ( الذمي ) في دار الإسلام فقال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدلت الآية على ما قدمناه ، ففي الخطأ الدية بإجماع .
فصل :
قوله : إلا خطأ ظاهره ليس مرادا ، فإنه لا يسوغ له قتله خطأ ولا عمدا ، لكن تقديره : لكن إن خطأه ، ولا يصح أن يكون ( إلا ) بمعنى الواو ؛ لأنه لا يعرف ( إلا ) بمعنى حرف العطف ؛ ولأن الخطأ لا يحذر ؛ لأنه ليس بشيء يقصد .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن ( إلا ) تأتي بمعنى ( لكن ) كثيرا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي وأبو عبيد : المعنى إلا أن يقتله مخطئا ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أن معنى أن يقتل مؤمنا البتة إلا خطأ ، وهو استثناء منقطع ،
[ ص: 358 ] ومعنى إلا أن يصدقوا أي : إلا أن يتصدق أهل القتيل على من لزمته دية القتيل ( فيعفو عنه ويتجاوز ) عن دمه فتسقط عنه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وعكرمة : وهذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، قتل رجلا مسلما ولم يعلم بإسلامه ، وكان ذلك يعذبه بمثله مع أبي جهل ، ثم أسلم وخرج مهاجرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيه عياش في الطريق فقتله وهو يحسبه كافرا ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك ، فأمره أن يعتق رقبة ونزلت الآية ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عنهما .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة ، ولا يعلم بإسلامه ، وقيل : نزلت في أبي عامر والد nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، خرج إلى سرية فعدل إلى شعب فوجد رجلا في غنم فقتله ، وأخذها وكان يقول : لا إله إلا الله ، فوجد في نفسه من ذلك فذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكر عليه قتله إذ قال : لا إله إلا الله ، فنزلت .
وقيل : نزلت في والد أبي حذيفة بن اليمان ، قتل خطأ يوم أحد حسبما سلف .
[ ص: 359 ] أهل حرب لكم فدية مسلمة إلى أهله يعني على عاقلته وتحرير رقبة مؤمنة كفارة قتله .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق ، هل هو مؤمن أو كافر ؟ على قولين :
أحدهما : أنه كافر ( إلا ) أنه لزمت قاتليه ديته ؛ لأن له ولقومه عهدا فوجب أداء ديته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين ، وأنها مال من أموالهم فلا يحل للمؤمنين أموالهم بغير طيب أنفسهم ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، قالوا : ودية الذمي كدية المسلم .
ثانيهما : أنه مؤمن ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وأولاهما عندي قول من قال : إنه من أهل العهد ؛ لأن الله أبهم ذلك فقال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ولم يقل ؛ وهو مؤمن ، كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب وهو مؤمن إذ ليس هناك مستحق لها إن كان أولياؤه كفارا .
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن المسلم إذا قتل في دار الحرب خطأ أن فيه الدية ، وإن قتل عمدا قتل به قاتله ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا قود فيه .
قال : وهذا الآخر منسوخ ؛ لأن المهادنات والمواثيق كانت بين الشارع وطوائف من المشركين ، فنسخ ذلك بسورة براءة بقوله :
[ ص: 360 ] فسيحوا في الأرض أربعة أشهر [ التوبة : 2 ] وقال : وقاتلوا المشركين كافة [ التوبة : 36 ] وفيها أمن أهل الذمة ، واستقر الأمر في مشركي العرب بعد الأربعة أشهر على الدخول في الإسلام وإعطاء الجزية أو القتال ، فكان هذا ناسخا لما مضى قبله فلا دية الآن لمسلم يقتل في دار الحرب إذا كان في جملتهم إذ لا ميثاق .
ألا تراه قال : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في :" كتاب محمد " و " المستخرجة " في قوله تعالى : فإن كان من قوم عدو لكم لم يذكر فيه دية لمؤمن أسلم ولم يهاجر من مكة فلا دية له إذا قتل ؛ لقوله تعالى : ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [ الأنفال : 72 ] وروى محمد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم في علج دعا إلى المبارزة بين الصفين فبرز إليه رجل ، ثم رماه آخر ( لم يبارزه فقتله ) فديته على الذي رماه ؛ لأنه تأول فأخطأ ، وليعتق رقبة مؤمنة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لا بأس يعينه ولا دية عليه .
وهذه الآية حجة للمخالفين في أن من أسلم بدار الحرب فلم يخرج إلينا لا دية فيه ، فحصل الخلاف في الآية في موضعين : أحدهما : أنه إذا قتل مسلم قاطن بدار الحرب فيه دية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا دية له .
وإن قتل بدار الإسلام إذا كان قومه كفارا وقتله خطأ وداه .
والحاصل ثلاثة أقوال : الدية مطلقا سواء قتل ببلاد الحرب أو ببلاد الإسلام لا مطلق التفضيل بينهما .
[ ص: 361 ] الثاني : في الميثاق هل هو مسلم أو كافر كما سلف .
فصل :
قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين يعني : عن الرقبة خاصة ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق : عن الرقبة والدية ، والأول أولى ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ؛ لأن دية الخطأ على عاقلة القاتل ، والكفارة على القاتل بالإجماع ، فلا يقضي صوم صائم عما لزم الآخر في ماله .
فصل :
قوله : توبة من الله يعني : رحمة من الله لكم وإلى التيسير عليكم بتخفيفه عنكم بتحرير الرقبة المؤمنة إذا أيسرتم بها وكان الله عليما حكيما أي : لم يزل عليما بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه ، حكيما بما يقضي فيه ويأمر .