الآية الأولى دالة على عظم الشرك ، ولا شك أنه لا إثم أعظم منه ، ولا عقوبة أشد من عقوبته في الدنيا والآخرة ؛ لأن الخلود الأبدي لا يكون في ذنب غير الشرك بالله ، ولا يحبط الإيمان غيره ؛ لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] وإنما سمى الله - عز وجل - الشرك ظلما ؛ لأن الظلم أصله وضع الشيء في
[ ص: 504 ] غير موضعه ؛ لأنه كان يجب عليه الاعتراف بالعبودية والإقرار بالربوبية حين أخرجه من العدم إلى الوجود وخلقه من قبل ولم يك شيئا ، ومن عليه بالإسلام والصحة والرزق إلى سائر نعمه التي لا تحصى ، فظلم نفسه ونسب النعمة إلى غير منعمها ؛ لأن الله هو الرزاق والمحيي والمميت ، فحصل الإشراك .
وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة [ لقمان : 20 ] أن رجلا من العباد عد نفسه في اليوم والليلة فبلغ أربعة عشر ألف نفس ، فكم يرى لله تعالى على عباده من النعم في غير النفس مما يعلم ومما لا يعلم ولا يهتدى إليه ، وقد أخبر الرب - جل جلاله - أن من بدل نعمة الله كفرا فهو صالي إلى جهنم ، وقال تعالى : وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار [ إبراهيم : 28 ، 29 ] .
فصل :
وأما الآية الثانية فهي مما خوطب به ، والمراد غيره ، ومعناها : إذا اتصل بالموت ؛ بدليل قوله تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر الآية [ البقرة : 217 ] .
وقيل : بنفس الردة تحبط أعماله ، وفائدة الخلاف في إعادة الحج الذي حجه قبلها ، واختلف في عود ملكه إذا أسلم ، وفي عود أم ولده وزوجته ، وفي إرثه من مات في حال ردته ، وفي أفعاله ونكاحه إذا تزوج كتابية ، وحكم ما عقده على نفسه من يمين بطلاق وغيره ، وحد قاذفه ، وفي بطلان إحصانه ، والأصح عندنا أن ملكه موقوف ، فإذا عاد إلى الإسلام استمر وإلا فلا .
قال : ومعنى قوله :" ومن أساء في الإسلام " أي : في عقده والتوحيد بالكفر بالله ، فهذا يؤاخذ بكل كفر سلف له في الجاهلية والإسلام ، ولا تكون الإساءة إلا الكفر ؛ لإجماع الأمة أن المؤمنين لا يؤاخذون بما عملوا في الجاهلية .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله ، بقوله : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] وتأويله إذا أسلم مرة لم يؤاخذ بما كان سلف من كفره ، ولم يعاقب عليه ، فإن كان أساء في الإسلام غاية الإساءة ، وارتكب أكبر المعاصي ما دام تائبا على الإسلام ، وإنما يؤاخذ بما جاءه من المعصية في الإسلام ، ويغفر ما كان منه في الكفر ، ويبكت به ، يقال : أليس قد فعلت كيت وكيت وأنت كافر ، هل منعك إسلامك معاودة مثله إذا أسلمت ، ثم يعاقب عقوبة مسلم ، ولا يخلد في النار .
وقال أبو عبد الملك : إن من أسلم إسلاما صحيحا لا نفاق فيه ولا شك لم يؤاخذ للآية السالفة .