التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6781 7207 - حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، حدثنا جويرية ، عن مالك ، عن الزهري ، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره ، أن المسور بن مخرمة أخبره . أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا ، قال لهم عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم . فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن ، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه ، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي ، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها ، فبايعنا عثمان . قال المسور : طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل ، فضرب الباب حتى استيقظت فقال : أراك نائما ، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم ، انطلق فادع الزبير وسعدا . فدعوتهما له ، فشاورهما ، ثم دعاني فقال : ادع لي عليا . فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع ، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا ، ثم قال : ادع لي عثمان ، فدعوته ، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ، فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر ، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أمراء الأجناد -وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر - فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال : أما بعد ، يا علي ، إني قد نظرت في أمر الناس [ ص: 581 ] فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا . فقال : أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده . فبايعه عبد الرحمن ، وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون . [انظر : 1392 - فتح: 13 \ 193 ]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها : حديث عبادة : قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة العسر واليسر وفي المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول أو نقوم - بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .

ثانيها : حديث أنس - رضي الله عنه - : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غداة باردة والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق . . ، الحديث .

ثالثها : حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا "فيما استطعتم " .

رابعها : حديث عبد الله بن دينار : شهدت ابن عمر - رضي الله عنهما - حيث اجتمع الناس على عبد الملك . كتب : إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت ، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك .

ثم ذكر بعده من طريق آخر كذلك .

خامسها : حديث جرير - رضي الله عنه - : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع . الحديث .

سادسها : حديث سلمة بن الأكوع في مبايعته يوم الحديبية على الموت .

سابعها : حديث حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف عن المسور بن مخرمة : أن الرهط الذين ولاهم عمر - رضي الله عنه - اجتمعوا فتشاوروا ، إلى آخره .

[ ص: 582 ] وقد سلف فيما مضى ، قال المهلب : [اختلفت ] ألفاظ بيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فروي : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة . وروي : على الجهاد ، وروي : على الموت . وقد بين ابن عمر وعبد الرحمن بن عوف في بيعتهما ما يجمع المعاني كلها ، وهو قولهم : على السمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله .

وقوله : "فيما استطعتم " كقوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة : 286 ] .

وأما قوله : "في المنشط والمكره " فهذه بيعة العقبة الثانية بايعوا على أن يقاتلوا دونه ، ويهلكوا أنفسهم وأموالهم . قال ابن إسحاق : كانت بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال [شروطا ] سوى شرطه .

حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ، وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى بيعة النساء . قال ابن إسحاق : كانوا في العقبة الثانية ثلاثة وسبعين رجلا -من الأوس والخزرج - وامرأتين .

[ ص: 583 ] فصل :

قال المهلب : قوله : "ولا ننازع الأمر أهله " . فيه : أن الأنصار ليس لهم في الخلافة شيء كما ادعاه الحباب وسعد بن عبادة ، ولذلك ما اشترط عليهم الشارع هذا أيضا .

فصل :

وأما الرهط الذين ولاهم عمر - رضي الله عنه - ، فهم : عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ، وقال : إن عجل بي أمر فالشورى في هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض .

قال الطبري : فلم يكن أحد من أهل الإسلام [يومئذ ] له منزلتهم من الدين والهجرة والسابقة والفضل والعلم بسياسة الأمة .

فإن قلت : في هؤلاء الستة من هو أفضل من صاحبه ، والمعروف من مذهب عمر - رضي الله عنه - أن أحق الناس بالإمامة أفضلهم دينا ، وأنه لا حق للمفضول فيها مع الفاضل ، فكيف جعلها في قوم بعضهم أفضل من بعض ؟

فالجواب : إنما أدخل الذين ذكرت في الشورى للمشاورة والاجتهاد للنظر للأمة ؛ إذ كان واثقا منهم أنهم لا يألون المسلمين نصحا فيما اجتمعوا عليه ، وأن المفضول منهم لا يترك والتقدم على الفاضل ، ولا يتكلم في منزلة غيره أحق بها منه ، وكان مع ذلك عالما برضا الأمة بمن رضي به الأئمة الستة إذ كان الناس لهم تبعا ، وكانوا للناس أئمة وقادة لا أنه كان يرى للمفضول مع الفاضل حقا في الإمامة .

[ ص: 584 ] فصل :

وفيه أيضا : الدلالة على بطلان ما قاله أهل الإمام من أنها في (الخيار ) وأشخاص قد وقف عليها الشارع أمته فلا حاجة إلى التشاور فيمن يقلدوه أمرها ، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - جعلها شورى بين النفر الستة ؛ ليجتهدوا في أولاهم ، فلم ينكر ذلك أحد النفر الستة ، ولا من غيرهم من المهاجرين والأنصار ، ولو كان فيهم ما قد وقف عليه الشارع بعينه ونصبه لأمته كان حريا أن يقول منهم قائل : ما وجه التشاور في أمر قد كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسوله ؟

وفي تسليم جميعهم له ما فعله ، ورضاهم بذلك أبين البيان ، وأوضح البرهان على أن القوم لم يكن عندهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شخص بعينه عهد ، وأن الذي كان عندهم في ذلك من عهده إليهم كان وقفا على موصوف بصفات يحتاج إلى إدراكها بالاستنباط والاجتهاد ، فرضوا وسلموا ما فعل من رده الأمر في ذلك إلى النفر إذ كانوا يومئذ أهل الأمانة على الدين وأهله .

وفيه : الدلالة الواضحة على أن الجماعة الموثوق بأديانهم ونصيحتهم للإسلام وأهله إذا عقدوا عقد الخلافة لبعض من هو من أهلها على تشاور منهم واجتهاد ، فليس لغيرهم من المسلمين حل في ذلك العقد ممن [لم ] يحضر عقدهم وتشاورهم ، وكانوا العاقدين قد أصابوا الحق فيه ، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - أفرد النظر في الأمر -النفر [ ص: 585 ] الستة - ولم يجعل لغيرهم فيما فعلوا اعتراضا ، وسلم ذلك من فعله جميعهم ولم ينكره منهم منكر ، ولو كان العقد في ذلك لا يصح إلا بإجماع الأمة عليه لكان خليقا أن يقول له منهم قائل : إن الحق الواجب بالعقد الذي خصصت بالقيام به هؤلاء الستة لم يخصهم به دون سائر الأمة بل الجميع شركاء ، ولكن القوم لما كان الأمر عندهم على ما وصفت سلموا وانقادوا ، ولم يعترض منهم معترض ولا أنكره منكر .

فصل :

قوله : (بعد هجع من الليل ) قال صاحب "العين " : الهجوع : النوم بالليل خاصة ، يقال : هجع يهجع وقوم هجع وهجوع ، وقد سلف تفسير قوله : (ابهار الليل ) في كتاب الصلاة .

فصل :

عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن نوفل ، كنيته : أبو الوليد خزرجي من بني عمرو بن عوف بدري أحد من جمع القرآن ، فكان طويلا جسيما جميلا ، مات عن اثنين وسبعين بالرملة سنة أربع وثلاثين ، وهو من الأفراد .

[ ص: 586 ] فصل :

أصل البيع : المعاقدة ، فسميت : معاقدة النبي - صلى الله عليه وسلم - مبايعة ؛ لما ضمن لهم - فيها من الثواب إذا وفوا بها .

وقوله - عليه السلام - : "على السمع والطاعة " يحتمل أن يريد به الامتثال في الأمر والنهي على كل حال من الأحوال .

واختلف في معنى قوله : "وأن لا تنازع الأمر أهله " ، فقالت طائفة : معناه : إذا بويع له ممن يستحق ذلك فهو الذي لا يجوز الخروج عليه ولا منازعته ، وكذلك إن كان ممن لا يستحق ذلك لم يلزم الناس أن (يخرجوا عليه ) أيضا .

وقالت طائفة : إن كانت ( . . . ) لم يجز الخروج عليه ، وإن كان ممن لا يستحق ذلك إذ لا يتوصل إلى ذلك إلا بقتل النفوس وأخذ الأموال ، وإن قدر عليه بغير قتل ولا أخذ مال فذلك جائز ، وعلى أهل الإسلام السمع والطاعة له ، فإن عدل فله الأجر وعلى الرعية الشكر ، وإن جار فعليه العذر وعلى الرعية الصبر والتضرع إلى (أهله ) في كشف ذلك عنهم .

فصل :

قوله في حديث أنس - رضي الله عنه - : "اللهم إن الخير خير الآخرة " هذا ليس بشعر ؛ لأنه لم يقصد ، وإنما وقع اتفاقا .

وقولهم فيما أجابوه : (ما بقينا أبدا ) في مدة حياتهم .

[ ص: 587 ] وقوله في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "فيما استطعتم " قاله إشفاقا ورحمة لهم وتنبيها لهم على استعمال ذلك في بيعتهم لئلا يدهمهم أمر لا طاقة لهم به ، والرب -جل جلاله - قال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة : 285 ] وقد سلف ذلك ، وكذلك ما يقع منهم على وجه الخطأ والنسيان للحديث الصحيح فيه .

فصل :

حميد بن عبد الرحمن السالف هو : ابن عوف - كما سلف - تابعي ، مات سنة خمس وتسعين ، ووقع في كتاب ابن التين سنة خمس ومائة .

وقوله : (الرهط الذين ولاهم عمر ) يريد الذين جعل الولاية فيهم وعبد الرحمن منهم وقول عبد الرحمن : (لست بالذي أنافسكم فيه ) . يريد الخلافة ، وهكذا ينبغي لمن علم أن ثم من هو أحق منه بها ، أي : بهذا ، فيخرج نفسه .

وقوله : (ولكنكم إن شئتم اخترت لكم ) . يريد : إنكم إن جعلتم الأمر إلي اخترت لكم .

[ ص: 588 ] وقوله : (منكم ) . يريد ممن سماه عمر - رضي الله عنه - دونه ، وتوليتهم النظر في ذلك لعبد الرحمن ؛ لأنه أحق من قدم لذلك ، فهو أحق بالتقديم لمثل هذا الأمر لا سيما وقد عزل نفسه ، فعلم إنما ينظر في الأصلح للمسلمين .

وقول المسور : (طرقني عبد الرحمن ) إلى قوله : [ما ] اكتحلت هذه (الليلة ) بكبير نوم ) هكذا ينبغي لمن تكلف النظر في أمر مهم من أمور المسلمين أن يهجر فيه نومه وأهله .

وقوله : (فادع لي الزبير وسعدا ، ثم دعاني ، فقال : ادع لي عليا ) ، إلى قوله : (وهو على طمع ) هكذا ينبغي لئلا يتوقف عن حضور موطن الجمع .

وقوله : (ادع لي عثمان ) أنه ليرى ما عنده ، فدعاه آخر الثلاثة لئلا يمتنع من قبول ذلك .

وقوله : (فلما صلى اجتمع أولئك الرهط عند المنبر ) يريد : الذين جعل عمر الشورى بينهم .

وقوله : (وأرسل إلى أمراء الأجناد ) . أي ليجتمع أهل الحل والعقد .

وقوله : (أما بعد يا علي ) . إلى آخره ، كلامه لعلي دون من سواه لم يكن يطمع في ذلك الأمر مع وجود عثمان وعلي ، وسكوت من حضر دليل على رضاهم بعثمان ، فعند ذلك قام عبد الرحمن فبايع عثمان ، ولم يمكن علي إلا الدخول فيما دخل فيه الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية