وفي إسناده أبو حمزة بالحاء والزاي وهو: محمد بن ميمون السكري المروزي.
وهذا الباب تضمن من صفاته تعالى صفة فعل وصفة ذات، فصفة الفعل ما تضمنه اسمه الذي أجراه تعالى عليه، وهو قوله تعالى: الرزاق والصفة الرزق، والرزق فعل من أفعاله; لقيام الدليل على استحالة كونه تعالى فيما لم يزل رزاقا; إذ رازق يقتضي مرزوقا، والباري تعالى قد كان بلا مرزوق فمحال كونه تعالى فاعلا للرزق فيما لم يزل، فثبت أن ما لم يكن، ثم كان محدث مخلوق، فرزقه إذا صفة من صفات أفعاله.
[ ص: 196 ] وأما وصفه تعالى بأنه الرزاق فلم يزل تعالى واصفا لنفسه بأنه الرزاق، ومعنى ذلك: أنه سيرزق إذا خلق المرزوقين، وأما صفة الذات فالقوة والقدرة اسمان مترادفان على معنى واحد، والباري تعالى لم يزل قادرا قويا ذا قدرة وقوة، وإذا كان معنى القوة والقدرة لم تزل موجودة قائمة به موجبة له حكم القادرين، والمتين معناه الثابت الصحيح ( الوجود ).
فصل:
ومعنى قوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=656830 "ما ( أحد ) أصبر على أذى سمعه من الله" ترك المعاجلة بالنقمة و ( العفو ) ; ( لا أن ) الصبر منه تعالى معناه كمعناه منا، كما أن رحمته تعالى لمن يرحمه ليس معناها معنى الرحمة منا; لأن الرحمة مفارقة وميل طبع إلى ( نفس ) المرحوم، والله تعالى عن وصفه بالرقة وميل الطبع; لأنه ليس بذي طبع، وإنما ذلك من صفات المحدثين.
[ ص: 197 ] وقوله: "على أذى سمعه" معناه: أذى لرسله وأنبيائه والصالحين من عباده; لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به تعالى; لأن الأذي من صفات النقص التي لا تليق بالله تعالى; إذ الذي يلحقه بالعجز والتقصير على الانتصار ويصبر جبرا هو الذي يلحقه الأذى على الحقيقة، والله تعالى لا يصبر جبرا، وإنما يصبر تفضلا، فالكناية في الأذى راجعة إلى الله تعالى، والمراد بها أنبياؤه ورسله; لأنهم جاءوا بالتوحيد لله ونفي الصاحبة والولد عنه، فتكذيب الكفار لهم في إضافة الولد لله تعالى أذى لهم ورد ما جاءوا به، فلذلك جاز أن يضاف الأذى في ذلك إلى الله تعالى; إنكارا لمقالتهم وتعظيما لها، إذ في تكذيبهم للرسل في ذلك إلحاد في صفته تعالى، ونحوه قوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله [ الأحزاب: 57 ] تأويله: إن الذين يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله. ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه في الإعراب، والمحذوف مراد نحو قوله: واسأل القرية [ يوسف: 82 ] يعني: أهلها.
فصل:
تضمن هذا الباب الرد على من أنكر أن لله تعالى صفة ذات هي قدرة وقوة; لاعتقادهم بأنه تعالى قادر بنفسه لا بقدرة، والله تعالى قد [ ص: 198 ] نص على أن له قدرة، بخلاف ما يعتقده القدرية من أنه قوي بنفسه لا بقوة.
وفيه: رد على المجسمة القايسين الغائب على الشاهد، قالوا: كما لم نجد قويا ولا ذا قوة فيما بيننا إلا جسما كذلك الغائب حكمه حكم الشاهد، فيقال لهم: إن كنتم على الشاهد تعولون وعليه تعتمدون في قياس الغائب عليه، فكذلك لم تجدوا جسما إلا ذا أبعاض وأجزاء مؤلفة يصح عليه الموت والحياة والعلم والجهل والقدرة والعجز فاقضوا على أن الغائب حكمه حكم هذا، فإن مروا عليه ألحدوا وأبطلوا الحدوث والمحدث، وإن أبوه نقضوا ما استدلوا به ولا انفكاك لهم عن أحد الأمرين، ومن هذه الجهة دخل على المعتزلة الخطأ في قياسهم صفات الله تعالى على صفات المخلوقين والله تعالى لا يشبه المخلوقين; لأنه الخالق، ولا خالق له، وقد أعلمنا الله تعالى بالحكم في ذلك فقال: ليس كمثله شيء فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، ومن ليس كمثله شيء كمن له مثل من الأشياء المخلوقة، وهذا مما لا يخفى فساده وإبطاله.