[ ص: 418 ] هذا الباب كالباب الذي قبله في إثبات كلامه تعالى وإسماعه جبريل والملائكة، فيسمعون عند ذلك الكلام القائم بذاته الذي لا يشبه كلام المخلوقين; إذ ليس بحروف ولا تقطيع بفم، وليس من شرطه أن يكون بلسان وشفتين وآلات، وحقيقته أن يكون مسموعا مفهوما، ولا يليق بالباري تعالى أن يستعين في كلامه بالجوارح والأدوات، فمن قال: لم أشاهد كلاما إلا بأدوات لزمه التشبيه; إذ حكم على الله بحكم المخلوقين، وخالف قوله - عز وجل - : ليس كمثله شيء [ الشورى: 11 ].
وروي أن آدم قال: يا رب عملي هذا هل شيء اخترعته أم أمر كتبته علي؟ فقال: بل كتبته عليك فقال: أسألك كما كتبت علي أن تغفر لي. فإن كان هذا محفوظا، فإنما قاله اعترافا صحيحا.
[ ص: 419 ] فصل:
وقوله في الحديث الأول: ( "فيوضع له القبول في الأرض" ) يعني: عند الصالحين ليس عند جميع الخلق، والذي يوضع له بعد موته أكثر منه في حياته.
وأول من قال: الفاسق منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر واصل بن عطاء، واعتزل الأمة وفارقها لما قاله، فسمي معتزليا; لأن الأمة على قولين: فرقة تكفر بالذنوب، وفرقة تقول: هو مؤمن بإيمانه فاسق بفسقه، فابتدع واصل مقالة ثالثة.