قال: هذا النيل والفرات عنصرهما. ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك قال: ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك. ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم - . قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به وأهلا. ثم عرج به إلى السماء الثالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى [ السماء ] السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك. كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فأوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد. ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.
ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك قال: "عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة. قال: إن أمتك لا تستطيع [ ص: 468 ] ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت. فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه "يا رب، خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا". فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: "يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا".
فقال الجبار: يا محمد. قال: "لبيك وسعديك". قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب - قال - فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك. فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: "خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها".
قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه". قال: فاهبط باسم الله. قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام. [ انظر: 3570 - مسلم: 162 - فتح: 13 \ 478 ].
وحديثه أيضا في الإسراء مطولا، وقد بوب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - في كتاب الأنبياء، باب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه.
استدل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على إثبات كلام الله تعالى وإثباته متكلما بقوله تعالى: وكلم الله موسى تكليما [ النساء: 164 ] وأجمع أهل السنة على أن الله - عز وجل - كلم موسى بلا واسطة ولا ترجمان، وأفهمه معاني كلامه وأسمعه إياها، إذ الكلام مما يصح سماعه، فإن قال قائل من المعتزلة أو من غيرهم: فإذا سمع موسى كلام الله بلا واسطة فلا يخلو أن يكون من جنس الكلام المسموع المعهود فيما بيننا، أو لا يكون من جنس الكلام المسموع المعهود فيما بيننا. قال: فإن كان من جنسه فقد وجب أن يكون محدثا ككلام المحدثين، وإن لم يكن من جنسه، فكيف السبيل إلى إسماعه إياه وفهم معانيه؟
فالجواب: أنه لو لزم من حيث سمعه منه تعالى وفهم معانيه أن يكون كسائر المحدثين قياسا عليه; للزم أن يكون تعالى بكونه فاعلا وقادرا وعالما وحيا ومريدا، وسائر صفاته من جنس جميع الموصوفين بهذه الصفات فيما بيننا، فإن قالوا: نعم. خرجوا من التوحيد، وإن أبوا نقضوا دليلهم واعتمادهم على قياس الغائب على حكم الشاهد.
[ ص: 470 ] ثم يقال لهم: لو وجب أن يكون كلامه من جنس كلام المخلوقين، من حيث اشترك كلامه تعالى وكلامهم في إدراكهما بالأسماع لوجب إذا كان الباري تعالى موجودا وشيئا أن يكون من جنس الموجودات وسائر الأشياء المشاهدة لنا، فإن لم يجب هذا لم يجب ما عارضوا به.
وقد ثبت أنه تعالى قادر على أن يعلمنا اضطرار كل شيء يصح أن يعلمناه استدلالا ونظرا، وإذا كان ذلك كذلك فواجب أن يكون تعالى قادرا على أن يعلم موسى معاني كلامه - الذي لا يشبه كلام المخلوقين، الخارج عن كونه حروفا متضمنة وأصواتا مقطعة اضطرارا - وينتخب له دليلا إذا نظر فيه أداه إلى العلم بمعاني كلامه، وإذا كان قادرا على الوجهين جميعا زالت شبهة المعتزلة.
وقال ابن التين: اختلف المتكلمون في سماع كلام الله تعالى، فقال الشيخ أبو الحسن: كلام الله القائم بذاته الذي ليس بحرف ولا صوت يسمع عند تلاوة كل تال، وقراءة كل قارئ. والقاضي يقول: لا يسمع وإنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء.
ويحمل قوله تعالى حتى يسمع كلام الله [ التوبة: 6 ] على أنه مجاز، والمعنى: حتى يسمع تلاوة كلام الله وقراءته، والطائفة الأولى تحمل ذلك على الحقيقة، ويقولون: الفرق بيننا وبين موسى وبين نبينا عليهما السلام أنا نحن نسمع كلام الله بواسطة الكلام، وذلك سامعه بلا واسطة. والقاضي يقول: مخالفة كلام الله لكلام الخلق أشد من اختلاف الأصوات التي ندركها، فلما لم ندرك ذلك دل عليها بطلان مقالة من ادعى أنه مسموع، وأن المسموع التلاوة والقراءة دون المتلو والمقروء.
[ ص: 471 ] فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب: في إفهام الله تعالى موسى من كلامه ما لا عهد له بمثله بتنوير قلبه له، وشرحه لقبوله، لا يخلو أن يكون ما أفهم الله سليمان من كلام الطير ومنطقها هو مثل كلام سليمان، أو لا يشبه كلامه، فإن كان يشبه كلام سليمان وبني جنسه فلا وجه لاختصاص سليمان وداود بتعليمه دون بني جنسه، ولا معنى لفخره - عليه السلام - بالخاصة وامتداحه بقوله: علمنا منطق الطير إلى قوله: إن هذا لهو الفضل المبين [ النمل: 16 ] أن يكون منطق الطير الذي فهمه سليمان وآله وبني جنسه، فقد أفهمه الله ما لم يفهمه غيره من كلام الهدهد، وكلام النملة التي تبسم - صلى الله عليه وسلم - ضاحكا من قولها; لفهمه عنها ما لم يفهمه غيره منها.
وهذا يدل على أن الله تعالى لم يكلم من الأنبياء إلا موسى، بخلاف ما زعم الأشعريون، ذكروا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود - رضي الله عنه - أن الله كلم محمدا بقوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى
[ ص: 472 ] [ النجم: 10 ] وأنه رأى ربه - عز وجل - وأعظمت فرية من افترى فيه على الله، وقد أسلفناه مع رده.
فصل:
وأما قول موسى - عليه السلام - إذ علا جبريل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - : ( "يا رب لم أظن أن ترفع علي أحدا" )، فأعلم الله موسى أن الله لم يكلم أحدا من البشر في الدنيا غيره، إذ بذلك استحق أن يرفع إلى السماء السابعة، وفهم من قول الله: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي [ الأعراف: 144 ] أنه أراد البشر كلهم، ولم يعلمه، والله تعالى أعلم أن الله تعالى فضل محمدا عليه بما أعطاه من الوسيلة والدعوة المقبولة منه، شفاعته لأمته من شدة موقفهم يوم الحشر حين أحجم الأنبياء عن الوسيلة إلى ربهم لشدة غضبه تعالى وفضله بالإسعاف بالمقام المحمود الذي وعده في كتابه، فبهذا رفع الله محمدا ( فوق ) موسى - عليهما أفضل الصلاة والسلام - .
واختلف فيما أقام بمكة بعد أن أوحي إليه، هل هو عشر أو ثلاث عشرة؟ كما سلف، وهذا الحديث يدل أن شق بطنه قبل أن يوحى إليه، وتكلم في شريك بسببه، فإنه كان وهو غلام أو عندما نبئ وقيل: إنه كان نبئ، وقد أسلفنا ذلك مبسوطا، وقوله: ( فلم يرهم ) يدل أنه أول ما نبئ; لأن جبريل لم ينقطع عند كل كلمة.
وقوله ( ما بين نحره إلى لبته ). قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: إلى عانته; لأن اللبة: العانة، قال ابن التين: وهو الأشبه. والتور: إناء يشرب فيه، قاله الجوهري.
وقال: ( فحشا صدره ولغاديده ) يعني: عروق حلقه، وفي "الصحاح": هي اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق، واحدها: لغدود.
وروي عن هلال بن يساف قال: كنا عند nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار إذ أقبل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - ، فقال: هذا ابن عم نبيكم، فوسعنا له، فقال:
[ ص: 476 ] يا كعب، ما معنى: ورفعناه مكانا عليا ؟ فقال كعب: كان لإدريس صديق من الملائكة، فأوحى الله إليه: إني أرفع لك كل يوم مثل عمل أهل الأرض، فقال إدريس للملك: كلم لي ملك الموت حتى يؤخر قبض روحي، فحمله الملك تحت طرف جناحه، فلما بلغ السماء الرابعة لقي ملك الموت فكلمه، فقال: أين هو؟ فقال: ها هو ذا، فقال: من العجيب! إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة! فقبضها هناك.
وقوله: ( فدنا الجبار ) أي: قربت رحمته وعطفه وفضله لا دنو مسافة ونقلة، لاستحالة الحركة والنقلة على الله تعالى، إذ لا تحويه الأمكنة; لأنه من صفات المحدث، وليس هذا في أكثر الروايات.
[ ص: 477 ] فصل:
وقوله: ( حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى )، وقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - : إنما كان قاب قوسين من جبريل - عليه السلام - .
وبه جزم nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال فقال: هو جبريل الذي تدلى فكان من الله أو من مقداره على مقدار ذلك، عن الحسن: فأوحى إلى عبده ما أوحى إلى جبريل وكتب القلم حتى سمع محمد - صلى الله عليه وسلم - صريفه في كتابه، وبلغ جبريل محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو عند سدرة المنتهى، قيل: إليها تنتهي أرواح الشهداء.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: رأى جبريل.
وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - كما سلف - nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة.
وقال الحسن: ما رأى من مقدور الله ( وملكوته ).
أفتمارونه على ما يرى هو محمد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، له سبعمائة جناح رفرفا أخضر سد ما بين الخافقين ولم يره قط في صورته التي هو عليها إلا مرتين، وإنما يراه في صورة كان يتشكل عليها من صورة الآدميين، وأكثرها صورة nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي، وفي قوله: أفتمارونه دليل على أن العيان أكبر أسباب العلم ولا يتمارى [ ص: 478 ] فيه، ولذلك قال - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=682590 "ليس الخبر كالمعاينة".
فصل:
إن قلت: ما وجه الحكمة في لقاء الشارع الأنبياء في السماوات دون عليين، والأنبياء مقرهم في ساحة الجنة ورياضها تحت العرش، ومن دونهم من العرش هناك، فما وجه لقائهم في سماء سماء؟ قلت: وجهه أنهم تلقوه كما يتلقى القادم، يتسابق ( الناس ) إليه على قدر سرورهم بلقائه.
فصل:
قوله: ( فرفعه - يعني: جبريل - عند الخامسة ) قال: nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: رفعه بعد الخامسة ليس بثابت، والذي في الروايات: "أستحيي من ربي فنودي: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وجعلت الخمسة بعشر أمثالها".
وقوله: ( ارجع إلى ربك فليخفف عنك ) أيضا، كذا وقع هنا بعد أن قال: ( لا يبدل القول لدي ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: هي لا تثبت; لأن الروايات تواطأت على خلافه، وما كان موسى ليأمره بالرجوع بعد أن قال الله لنبيه: ( لا يبدل القول لدي ) ولم يرجع بعد الخمس.
[ ص: 479 ] فصل:
وقوله: قال: ( فاهبط باسم الله ). قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام.
ادعى nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي أن الذي قال له: ( اهبط باسم الله ) جبريل، وظاهر ما في الكتاب خلافه، قال: وقوله: ( فاستيقظ ) أي: فارقه الوحي، وما كان يأخذه عند الوحي; لاشتغاله بالوحي وعظمته في نفسه وثقله عليه.
فصل:
وقوله: ( وهو في المسجد الحرام ) قد أسلفنا اختلاف الناس في مسراه، هل كان بجسده ونفسه أو بروحه دون جسمه؟ وروي الأول عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - ، والضحاك، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، وإبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وعكرمة.
ثم قالت طائفة منهم: إنه صلى بالأنبياء ببيت المقدس ثم عرج به إلى السماء، فأوحى الله تعالى إليه وفرض عليه الصلاة، ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته فصلى به صلاة الصبح. روى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في حديث الإسراء عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - .
ذكر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه صلى - عليه السلام - ببيت المقدس، ولم يذكر أنه صلى خلفه أحد.
وقالت أخرى منهم، أنه يدخله، ولم يصل فيه، ولم ينزل عن البراق حتى رجع إلى مكة، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة، قال في قوله: سبحان الذي [ ص: 480 ] أسرى بعبده [ الإسراء: 1 ]. قال: لم يصل فيه، ولو صلى ( فيه ) لكتبت عليكم الصلاة كما كتبت الصلاة عليكم عند الكعبة.
وروي القول الثاني - أعني أن الإسراء كان بروحه دون جسده عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك عن الحسن قال: عرج بروح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجسده في الأرض، وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق.
حجة الأولين ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء: 60 ] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست رؤيا منام. رواه nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عنه قالوا: ( ولو ) أسري بروحه فقط وكان الإسراء مناما لما أنكرت ذلك قريش من قوله; لأنهم ( كانوا ) لا ينكرون الرؤيا، ولا ينكرون أن أحدا يرى في المنام ما هو على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل.
وهذا بين لا إشكال فيه، وإلى هذا ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وكذلك ترجم له في كتاب الأنبياء وتفسير القرآن ما ذكرته في صدر هذا الباب، قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: وأخبرني بعض آل nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن أسري بروحه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عيينة بن المغيرة أن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان إذا سئل عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كانت رؤيا من الله صادقة. قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها; لقول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أن هذه الآية نزلت في ذلك يعني: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ، ولقوله - عز وجل - عن إبراهيم إذ قال لابنه: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك [ الصافات: 102 ].
ثم مضى على ذلك، فعرف أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ومناما، قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: وكان - عليه السلام - يقول: "تنام عيني وقلبي يقظان". فالله أعلم أي ذلك كان، فقد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله على أي ( حالته ) كان نائما أو يقظان، كل ذلك حق وصدق، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك في "مشكل القرآن"، قال: كان - عليه السلام - ليلة الإسراء في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، والله أعلم.
[ ص: 482 ] واحتج أهل هذه المقالة، فقالوا: ما اعتل به من قال: إن الإسراء لو كان في المنام لما أنكرته قريش; لأنهم كانوا لا ينكرون الرؤيا; فلا حجة فيه. لأن قريشا كانت تكذب العيان، وترد شهادة الله الذي هو أكبر شهادة عليهم بذلك، إذ قال عنهم حين انشق القمر: وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ القمر: 2 ].
وإنما كان إنكار قريش; لقوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=104896 "أسري بي الليلة إلى بيت المقدس" حرصا منهم على التشنيع عليه وإثارة اسم الكذب عليه عند العامة المهولة بمثل هذا التشنيع; فلم يسألوه: في اليقظة كان ذلك الإسراء أو مناما؟ وأقبلوا على التقريع عليه وتعظيم قوله، وهذا غير معدوم من تشنيعهم، ألا ترى تكذيبهم مثل وقعة بدر لرؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول [ ص: 483 ] الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ قالت: رأيت كأن صخرة انحدرت من أبي قبيس فانفلقت، فما تركت دارا بمكة إلا دخلت منها فلقة، فلما رأوا قبح تأويلها عليهم قالوا: يا بني عبد المطلب، ما أهل بيت في العرب أكذب منكم، أما كفاكم أن تدعو النبوة في رجالكم حتى جعلتم منكم نبية، فشنعوا رؤياها، وأخبروا عنها بالنفي طمعا في إثارة العامة عليهم، فكذلك كان قولهم في ( الإسراء ).
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: ليس في هذا الكتاب حديث ( أشبع ) ظاهرا من هذا الحديث، قال: ولذلك سردته كاملا في كتابي ليعتبر الناظر أوله بآخره، فلا يشكل عليه - بإذن الله - معناه وذلك أنه ذكر في أول الحديث: جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فيما يرى قلبه. وقال في آخره: فاستيقظ ( ورؤيا ) الرؤيا أمثلة تضرب لتتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله، وبعضها كالمشاهدة والعيان.
ثم القصة بطولها إنما هي حكاية يحكيها nindex.php?page=showalam&ids=9أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا رواها عنه، ولا أضافها إلى قوله، فحاصل الأمر في الذكر، وإطلاق اللفظ على الوجه الذي قد تضمنه [ ص: 484 ] الخبر أنه روي إما من nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وإما من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ في مثل هذه الأحاديث إذا رواها من حيث لا يتابعه عليها سائر الرواة، وأيهما صح القول عنه، وأضيف إليه، فقد خالفه فيه عامة السلف المتقدمين وأهل السنة منهم ومن المتأخرين. والذي قيل في الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الذي دنا جبريل من محمد. أي: تقرب، وهو على التقديم والتأخير، أي: تدلى فدنى، وذلك أن التدلي سبب للدنو. وقيل: تدلى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع كما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، متدليا كما رآه، وكان ذلك من آيات قدرة الله حين أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شيء ولا يمسك بشيء.
وقيل: دنا جبريل وتدلى محمد ساجدا لربه شكرا على ما أناله من كرامته، ولم يثبت فيه شيء مما روي عن السلف أن التدلي مضاف إلى الله تعالى عن صفات المخلوقين.
قال: وروي هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس من غير طريق nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك بن عبد الله، فلم يذكر هذه الألفاظ السبعة; فإن ذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من قبل شريك.
قال: وفي هذا الحديث ( لفظة ) أخرى تفرد بها شريك أيضا لا يذكرها غيره، وهي قوله: ( وهو مكانه ). والمكان لا يضاف إلى الله، إنما هو مكان الشيء في مقامه الأول الذي يقيم فيه.