( من ) في قوله: من خلق في موضع رفع بـ يعلم، ( والمفعول ) محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه؟ فدل ذلك على أن ما يسر الخلق من قولهم ( ويجهرون ) به كل من خلق الله; لأنه قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [ الملك: 13 ] إلى قوله: من خلق وكل من خلق الله، وقال بعض أهل الزيغ: ( من ) في موضع نصب اسم المسرين والمجاهرين; ليخرج الكلام من عمومه ويدفع عموم الخلق عن الله، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلم ما خلق; لأنه إنما أتت بعد ذكر ما ( تكن ) الصدور، ولو أتت ( ما ) موضع ( من ) لكان فيه بيان أنه تعالى خالق كل شيء من أقوال الخلق خيرها وشرها، جهرها وسرها، ويقوي ذلك قوله: إنه عليم بذات الصدور ، ولم يقل: عليم بالمسرين والمجاهرين.
فصل:
قد تقرر حكاية قولين في الكتاب في المراد بقوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك [ الإسراء: 110 ] وأن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إنها في القراءة، وأن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنها في الدعاء. وبه قال ابن نافع: أي من دعاء، ( ولا ) تجهر بدعائه ولا تخافت به.
وقال زياد بن عبد الرحمن: نزلت في صلاة النهار، ولا تخافت بها في صلاة الليل. وقد سلف ذلك.
[ ص: 513 ] فصل:
وقوله: ( "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" ) قد سلف في فضائل القرآن الاختلاف في معناه، وحاصله ثلاثة أقوال:
ثالثها: ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي قال: كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالهم، فلما نزل القرآن أحب أن يكون القرآن سميرا لهم مكان الغناء فقاله.
وفيه: الحض على تحسين الصوت به، والغناء المأمور به هو الجهر بالصوت وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة حتى يتميز التالي به من المتحدث تعظيما له في النفوس تحبيبا إليها.
فإن قلت: فإذا كان الغناء هكذا أفعندك ( أن ) من لم يحسن صوته بالقرآن فليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
قيل: معناه من لم يستن بنا في تحسين الصوت به، ويرجع في تلاوته على ما حكاه ابن مغفل على ما يأتي ( بعد )، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس متبعا لسنته، ولا مقتديا به في تلاوته.
( فدل أنه ) ممتدح بكونه عالما ما أسروه من قولهم وجهروا به، وأنه خالق لذلك منهم، فإن قال قدري زاعم أن أفعال العباد ليست خلقا لله.
قوله: ألا يعلم من خلق [ الملك: 14 ] غير راجع بالخلق إلى القول، وإنما هو راجع إلى القائلين ( فليس في الآية ) دليل لكم على كونه تعالى خالقا لقول القائلين.
قيل له: هذا تأويل فاسد; لأن الله تعالى أخرج هذا الكلام مخرج التمدح منه تعالى بعلمه ما أسروه من قولهم وجهروا به وخلقه لذلك مع خلقه دليلا على كونه عالما به، فلو كان غير خالق له ومتمدحا بكونه عالما بقوله وخالقا لهم دون قولهم لم يكن في الآية دليل على صحة كونه عالما بقولهم، كما ليس في عمل ( العامل ) ظرفا من الظروف دليل على ( علمه ) بما أودعه فيه غيره، والله تعالى قد جعل خلقه [ ص: 515 ] دليلا على كونه عالما بقولهم، فيجب رجوع خلقه تعالى إلى قولهم; ليصح لهم التمدح بالأمرين; وليكون أحدها دليلا على الآخر. وإذا كان ذلك كذلك - ولا أحد من الأمة يفرق بين القول وسائر الأفعال، وقد دلت الآية على كون الأقوال خلقا له سبحانه - وجب كون ( سائر ) أفعال العباد خلقا له تعالى.