وقد سلف في فضائل القرآن، وسلف ما للعلماء فيه، وتأويل السبعة أحرف فراجعه.
[ ص: 559 ] معنى الآية: ما تيسر على القلب حفظه من آياته وعلى اللسان من لغاته وإعراب حركاته كما فسره الشارع في هذا الحديث، فإن قلت: فإذا ثبت أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكيف ساغ للقراء تكثير ( الآيات ) وإقراؤهم بسبعين رواية وأزيد ( من مائة )؟
الجواب: أن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - لما أمر بكتابة المصاحف التي بعث بها إلى البلدان أخذ كل إمام من أئمة القراء في كل أفق نسخة، فما انفك ( له ) من سوادها وحروف مدادها مما وافق قراءته التي كان يقرأ، لم يمكنه مفارقته لقيامه في سواد ( الخط )، و ( أنه ) كان عنده ( فيه ) رواية إلى أحد من الصحابة مع أنه لم تكن النسخ التي بعث بها nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - مضبوطة بشكل لا يمكن تعديه، ولا تحقيق هجاء بعض معانيه; إذ كانوا يسمحون في الهجاء بإسقاط الألف من كلمه لعلمهم بها استخفافا ( لكثرة ) تكريرها كألف العالمين والمساكين، وكل ألف هي في المصحف ملحقة بالهمزة.
قال يزيد الرقاشي: كان في المصحف: كانوا: كنوا وقالوا: قلوا، فزدنا فيها ألفا. يريد جماعة القراء حين جمعهم الحجاج، وكذلك ما زادوا في الخط، وقد كان في المصحف ( ماء غير يسن ) فردها [ ص: 560 ] الحجاج مع جماعة القراء آسن ، وفي الزخرف: ( معايشهم ) فردها معيشتهم ، فكل تأول من ذلك الخط ما وافق قراءته، كيفما كان من طريق الشكل وحركات الحروف مما ( يدل ) المعنى.
وقد يجوز أن يكون ذلك من ذهل الأقلام، ويدل على ذلك استجلاب الحجاج مصحف أهل المدينة ورد مصاحف البصرة والكوفة إليه وإبقاء ما لا يغير معنى وما له وجه جائز من وجوه ذلك المعنى.
وصار خط مصحف أهل المدينة سنة متبعة لا يجوز فيه التغيير; لأنها القراءة المنقولة سمعا، وأن الستة المتروكة قطعا لذريعة الاختلاف ما وافق منها المنفك من ( شواهد ) الخط لأهل الأمصار، فتواطئوا عليها، جوز لهم تأويلهم فيه بما وافق روايتهم عن صحابي; لخشية التحزب الذي منه هربوا، ( ولكثرة ) من اتبع القراء في تلك الأمصار من العامة غير ( المأمور به ) عند منازعتها، فهذا وجه تجويز العلماء أن يقرأ بخلاف أهل المدينة وبروايات كثيرة.
وكذلك أجمعت الأمة على ترك القراءة بها، ولو سمح في تبديل السواد لما بقي منه إلا الأقل، لكن الله تعالى حفظه علينا من [ ص: 561 ] ( تحكم ) ( المتأولين ) وتسلط أيدي الكائدين على تبديل حرف بحرام إلى حلال، وحلال بحرام، وكلمة عذاب برحمة، ورحمة بعذاب، ونهي بأمر، وأمر بنهي، وأما سوى ذلك مما هو جائز في كلام العرب من نصب وخفض ورفع بما لا ( يحيل ) معنى ولا حرج فيه.
[ ص: 562 ] فدل هذا أنه لم يكن في السبع التي نزل بها القرآن ما يحيل الأمر والنهي عن مواضعه، ولا يحيل الصفات عن مواضعها; لأنه مأمور باعتقادها ومنهي عن قياسها عن المعاني; لأنه تعالى بريء من الأشباه والأنداد، وبقيت حركات الإعراب مستعملة لما انفك من سواد الخط في المجتمع عليه، وعلى هذا استقر أمر الإعراب عند العلماء.