[ ص: 49 ] فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". ثلاثا. فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها" [793، 6251، 6252، 6667 - مسلم: 397 - فتح: 237]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة: شكا أهل الكوفة سعدا إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فعزله .. الحديث، وفيه: فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي أيضا ، ولفظه في إحدى روايتيه: فأمد في الأوليين بدل: فأركد . وهو بمعناه، أي: أطول وأمد، وهو بضم الكاف من قولك: ركدت السفن والريح: إذا سكن وسكنت.
و (الركود): الثبوت والدوام عند أهل اللغة؛ ومنه: نهيه - عليه السلام - عن البول في الماء الراكد . أي: الدائم، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مرة بزيادة:
[ ص: 50 ] (تعلمني الأعراب الصلاة) . وقال هنا: (أصلي صلاة العشاء). وقال في الباب بعده: (صلاتي العشي) ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: وهما الظهر والعصر، كذا في الرواية.
وقوله: (فقال عبد الملك: وأنا رأيته بعد) عبد الملك هذا هو ابن عمير.
ثانيها:
قوله: (ما أخرم عنها): هو بفتح الهمزة وكسر الراء، أي: لا أنقص.
وقال أبو سليمان: لا أقطع. وأصل الخرم النقص والقطع .
قال ابن التين: وضبط في بعض الكتب بضم الهمزة على أنه رباعي وليس هو في اللغة.
ومعنى (أخف في الأخريين): أقصرهما عن الأوليين، لا أنه يخل بالقراءة ويحذفها أصلا.
وقوله: (الأوليين) و (الأخريين) هو بيائين مثناتين تحت.
ثالثها:
(سعد) المشكو هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة رضوان الله عليهم.
و (الكوفة): أمر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ببنائها؛ سميت بذلك لاستدارتها؛ أو لاجتماع الناس بها؛ أو لأن ترابها خالطه حصا. ويقال لها كوفان، ويقال: إنها [ ص: 51 ] كانت منزل نوح - عليه السلام - .
الثانية: أنه إذا خاف مفسدة باستمراره في ولايته ووقوع فتنة عزله، ولهذا عزله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مع أنه لم يكن فيه خلل، ولم يثبت ما يقدح في ولايته وأهليته، وسيأتي في "صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري" في حديث مقتل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر والشورى أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال: إن أصابت الإمارة سعدا فذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة .
الثالثة: مدح الرجل الجليل في وجهه؛ فإن nindex.php?page=showalam&ids=2الفاروق قال لسعد: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق؛ ومحله إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة ؛ وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح بالأمرين، والجمع بينهما بما ذكرته.
وعندهم خلاف في استحباب تطويل الثالثة على الرابعة إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد .
[ ص: 53 ] وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف: لا يطيل الأولى على الثانية إلا في الفجر خاصة .
واتفقوا على كراهة إطالة الثانية على الأولى إلا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا فإنه قال: لا بأس بذلك ؛ مستدلا بأنه - عليه السلام - قرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وهي تسع عشرة آية، وفي الثانية بالغاشية وهي ست وعشرون آية .
وانفرد nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فلم يوجب في الأخريين قراءة بل خيره بينها وبين التسبيح والسكوت ، وعزوه إلى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وعلي [ ص: 54 ] nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي والأسود nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في رواية ضعيفة .
والجمهور على قراءة الفاتحة فيهما وهو الموافق للسنة الصحيحة.
ومن عجيب استدلالهم: أن الأمر بالقراءة لا يقتضي التكرار وإنما وجب في الثانية لتشاكلها من كل وجه .
وأبعد الأصم nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة فقالوا: لا تجب القراءة في الصلاة أصلا ؛ ولا يعبأ بذلك.
وحكي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وهو شاذ ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري عن بعضهم عدم تعين أم القرآن .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: من تركها في ركعة في غير الصبح سجد للسهو قبل السلام .
وقال ابن أبي زيد: روي عن المغيرة فيمن لم يقرأ في الظهر إلا في ركعة منها تجزئه سجدتا السهو قبل السلام .
وأثر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيهما فقيل له؛ فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن، قال: فلا بأس إذا ؛ منقطع، والأصح عنه الإعادة .
[ ص: 56 ] وأثر زيد: القراءة في الصلاة سنة ؛ مراده كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن القراءة لا تجوز إلا على حسب ما في المصحف؛ لأنها سنة متبعة فلا يجوز مخالفتها، وإن كانت على مقاييس العربية .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ، والمغيرة المالكي : تجب في ركعة واحدة.
وقال به بعض الظاهرية . والصحيح عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وجوبها في كل [ ص: 57 ] ركعة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
روى nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه يعوده في مرضه بمكة فرقاه وقال: "اللهم أصح جسمه وقلبه واكشف سقمه وأجب دعوته" .
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا وأصحاب السنن الأربعة ، nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم زيادة: "فصاعدا" وهي من أفراده .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي "إذا كان وحده". وعنده أيضا: "تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".
وأخرجه بهذا اللفظ nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في "سننه" وقال: إسناده صحيح .
وهي صريحة في وجوب قراءتها، ورافع لمن أضمر نفي الكمال.
ويجب على المأموم عندنا في السرية والجهرية على المشهور كما هو ظاهر عموم الحديث.
[ ص: 59 ] وإليه أشار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الترجمة أيضا، وخالف فيه nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، والكوفيون ، ولا يجب ما زاد على الفاتحة.
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعثمان بن أبي العاص وجوب ثلاث آيات .
الحديث الثالث:
حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في المسيء صلاته، وفيه: فقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=650715 "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن .. " الحديث. خرجه عن nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار، ثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. وأخرجه في مواضع أخر منها: إذا حلف ناسيا؛ في الأيمان .
[ ص: 60 ] وزعم nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في "علله" أن nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار لم يقل في روايته: عن أبيه . وزعم في "التتبع" أن يحيى خالف أصحاب عبيد؛ كلهم قالوا: سعيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. وهو المحفوظ إلا هو .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في "سننه": لم يتابع يحيى في روايته هذا الحديث.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: ومنهم من قال: سعيد، عن أبيه هنا أصح .
وجاء في حديث يحيى بن خلاد عن أبيه نحو هذا الحديث، فادعى بعض المتأخرين أن خلادا هو المسيء صلاته، والله أعلم.
والمراد بقوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" فاتحة الكتاب بدليل رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في "صحيحه" في حديث المسيء صلاته من رواية رفاعة بن رافع الزرقي: "ثم اقرأ بأم القرآن" إلى أن قال: "ثم اصنع ذلك في كل ركعة" .
فإن قلت: وجه الدلالة على ما بوب به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الحديث والذي قبله من القراءة ظاهر أن حديث عبادة قال عليه بعمومه، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الفذ والمأموم بالقياس عليه فما وجهه من الحديث الأول؟
قلت: وجهه قوله: ("أركد في الأوليين، وأخف في الأخريين").
[ ص: 61 ] بقي عليك وجه ما في الترجمة وهو الجهر والمخافتة، نعم ذكر ما يخافت فيه فقط كما أوضحناه، وأصل صلاة النهار على الإسرار إلا ما خرج بدليل كالجمعة والعيد، والليل على الجهر، فإن خالف فلا سجود عليه عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؛ خلافا nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة ، وكذا لو جهر بحرف عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف .
وعنه أنه إن زاد في المخافتة على ما تسمع أذنيه سجد . والصحيح عندهم أنه إذا جهر بمقدار ما تجوز به الصلاة .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم: أنه إذا جهر فيما يسر فيه لا سجود عليه إذا كان يسيرا . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: إذا جهر الفذ فيما يسر فيه جهرا خفيفا فلا بأس به .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن من أسر فيما يجهر فيه عامدا صلاته تامة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ: فيه وفي عكسه يستغفر الله ولا إعادة عليه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم: يعيد لأنه عابث .
[ ص: 62 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث: إذا أسر فيما يجهر فيه فعليه سجود السهو .
وقال الكوفيون فيما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: إذ أسر في موضع الجهر أو جهر في موضع السر وكان إماما سجد لسهوه، وإن كان وحده فلا شيء عليه، وإن فعله عامدا فقد أساء وصلاته تامة. وقال ابن أبي ليلى: يعيد بهم الصلاة إذا كان إماما . اهـ.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: ومن لم يوجب السجود في ذلك أشبه بدليل حديث nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة الآتي في الباب بعده: وكان يسمعنا الآية أحيانا. وهو دال على القصد إليه والمداومة عليه، فإنه لما كان الجهر والإسرار من سنن الصلاة، وكان - عليه السلام - قد جهر في بعض صلاة السر ولم يسجد لذلك كان كذلك حكم الصلاة إذا جهر فيها؛ لأنه لو اختلف الحكم في ذلك لبينه، ولا وجه لتفريق الكوفيين السالف إذ لا حجة لهم فيه من كتاب ولا سنة ولا نظر .