الكسوف: من كسفت حاله، أي: تغيرت، وأصله: التغطية بنقصان الضوء، والأشهر في ألسنة الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس، والخسوف بالقمر.
وادعى الجوهري أنه أفصح، وقيل: هما فيهما، وبوب له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بابا كما سيأتي، وقيل: الكسوف للقمر والخسوف للشمس، عكس السالف ; وهو مردود، وقيل: الكسوف أوله والخسوف آخره.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض فيهما. وعن nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب وغيره: الكسوف أن يكسف ببعضهما، والخسوف أن ينخسف بكلهما، قال تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض [القصص: 81] وهو سنة، وأبعد من قال إنها فرض كفاية.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إجراؤها مجرى الجمعة.
ذكر في الباب أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث خالد - هو ابن عبد الله - عن يونس - هو ابن عبيد – عن [ ص: 301 ] الحسن، عن أبي بكرة - واسمه نفيع بن الحارث - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانكسفت الشمس.. الحديث.
ويأتي في الباب مكررا، وفي اللباس أيضا، وترجمة الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في الصلاة والتفسير.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: مرسل، إنما يرويه الأحنف عنه ; ولما أورده nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا أنه حكي في كسوف. .. الحديث.
قال: وفي الباب عن علي، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر، والنعمان ابن بشير ( د. س. ق ) والمغيرة، وأبي مسعود، وأبي بكرة، nindex.php?page=showalam&ids=24وسمرة بن جندب، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود، وأسماء ابنة أبي بكر، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، وقبيصة - يعني: ابن مخارق الهلالي - nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن سمرة، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: روى الكسوف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر رجلا.
[ ص: 302 ] قلت: وهم ما في nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي.
وقال المنذري: رواه تسعة عشر نفسا. وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14704الطرقي أنه رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس، وأم سلمة، وسهل بن سعد، وجرهد.
وذكر غيره nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة، وسلمة بن الأكوع، وسعد بن أم عبد الرحمن، nindex.php?page=showalam&ids=144وحسان بن ثابت.
إذا عرفت ذلك ; فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: ( فانكسفت الشمس ) كذا هو بالكاف، وقد رواه جماعة من الصحابة بذلك، وآخرون بالخاء، وآخرون بهما، وهما بمعنى واحد، وهو تغيرها ونقصان ضوئها كما سلف.
ومن أنكر ( انكسف )، وأن صوابه ( كسف )، غلط، فالحديث مصرح به في مواضع.
وفي الكسوف فوائد أبداها nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: ظهور التصرف في الشمس والقمر، وتبيين قبح شأن من يعبدهما، وإزعاج القلوب الساكنة للغفلة عن مسكن الذهول، وليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة من قوله: وخسف القمر وجمع الشمس والقمر [القيامة: 8 - 9] وأنهما يوجدان على حال التمام فيركسان، ثم يلطف بهما فيعادان إلى ما كانا عليه، فيشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو، وأن يفعل بهما صورة عقاب لمن لا ذنب له، وأن الصلوات المفروضات عند كثير من الخلق عادة لا انزعاج لهم فيها ولا وجود هيبة، فأتى بهذه الآية، وسنت لها الصلاة ; ليفعلوا صلاة على انزعاج وهيبة.
قوله: ( فصلى بنا ركعتين ) يستدل به من يقول: إن صلاة كسوف الشمس ركعتان كصلاة النافلة، فإن إطلاقه في الحديث يقتضي ذلك.
وفي رواية في هذا الحديث: كصلاتكم أو مثل صلاتكم.
وكذا قوله: كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة. وفي أخرى: كأحدث صلاة الصبح، وهي ركعتان. وهو ما اقتضاه كلام أصحابنا، أنه لو صلاها كهيئة سنة الظهر ونحوها صحت صلاته للكسوف، وكان [ ص: 304 ] تاركا للأفضل، وصرح به الجرجاني في "تحريره"، وخالف القاضي على ما نقله محكي عنه فمنع.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: سنة صلاة الكسوف أن تصلى ركعتين في جماعة، هذا قول جمهور الفقهاء إلا أن في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وغيرها في كل ركعة ( ركوعان )، وهي زيادة يجب قبولها، منهم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور على حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر.
قال: وخالف في ذلك الكوفيون، وقالوا: إنها ركعتان كصلاة الصبح. ولما مر حديث الباب حجة لهم ; لأنه مجمل لا ذكر فيه لصفة الصلاة، وإنما قال فيه: فصلى ركعتين.
وبين غيره مذهب الكوفيين فقال: هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري، وابن أبي ليلى، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير.
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، واستدل لهم بغير ما حديث فيه: فصلى ركعتين.
حديث nindex.php?page=showalam&ids=16813قبيصة، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم، وحديث [ ص: 305 ] النعمان، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: وأخذ به طائفة من السلف منهم nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه روي نحو قول العراقيين في صلاة الكسوف من حديث nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة، nindex.php?page=showalam&ids=24وسمرة، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر، وقبيصة، والنعمان، وعبد الرحمن بن سمرة، وقال: الأحاديث في هذا الوجه في بعضها اضطراب، والمصير إلى حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أولى ; لأنهما أصح ما روي في هذا الباب ثم أطال بفوائد.
وأجاب ابن التين بأن يكون سكت عن بيان الركعتين أو فعله مرة، وذكر عن علي أنه فعله بالكوفة، وقال: إنما أول بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعض أهل الحديث: إن ذلك كله كان مرات وإنما كان يتحرى التجلي.
[ ص: 306 ] رابعها:
فيه: تطويل صلاة الكسوف إلى الانجلاء ; عملا بقوله: "حتى يكشف ما بكم" فإن ظن قرب الانجلاء فلا يبتدئ بأخرى، وعليهم الدعاء والتضرع إلى الانجلاء.
خامسها:
في قوله أيضا: "حتى يكشف ما بكم" أنه لا ينبغي قطعها حتى تنجلي، كذا استدل به قوم، فيقال لهم: قد جاء في أوله: "فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم". وفي رواية: "فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه واستغفاره" فأمر بالدعاء والاستغفار عندهما، كما أمر بالصلاة، فدل ذلك أنه لم يرد عند الكسوف والصلاة خاصة، ولكن أريد منهم ما يتقربون به إلى الله تعالى من الصلاة والدعاء والاستغفار وغيره.
واختلف بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إن تجلت الشمس قبل فراغ الصلاة، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ: يتمها على ما بقي من سنتها حتى يفرغ منها ; ولا ينصرف إلا على شفع. وقال سحنون: يصلي ركعة واحدة وسجدتين ثم ينصرف، ويصلي باقي الصلاة على سنة الخسوف.
سادسها:
في قوله: "فقام يجر رداءه" ما كان عليه من خوف الله تعالى والبدار إلى طاعته، ألا ترى أنه قام إلى الصلاة فزعا، وجر رداءه شغلا بما نزل.
وفي قوله: "فإذا رأيتموهما فصلوا" دلالة أن تجمع في صلاة خسوف الشمس كما تجمع في القمر، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي، وعطاء، والحسن، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وإسحاق، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور، وأهل الحديث عملا بهذا الحديث. وقالوا: قد عرفنا كيف الصلاة في أحدهما، فكان ذلك دليلا على الصلاة عند الأخرى.
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى أن ليس في خسوف القمر جماعة، وإنما يصلونها في البيوت فرادى غير مجتمعين.
[ ص: 308 ] لم يبلغنا ولا أهل بلدنا أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع لكسوف القمر، ولا نقل عن أحد من الأئمة بعده - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع فيه. قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب: ويمكن أن يكون تركه - والله أعلم - رحمة للمؤمنين ; لئلا تخلو بيوتهم بالليل فيحطمهم الناس ويسرقونهم. يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة - ليلة نزول التوبة على nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك وصاحبيه - قالت لهم: nindex.php?page=hadith&LINKID=654309ألا أبشر الناس، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أخشى أن يحطمكم الناس" ; وفي حديث آخر: "أخشى أن يمنع الناس نومهم". وقد قال تعالى: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه جعل السكون في الليل من النعم التي عددها على عباده، وقد سمي ذلك رحمة.
وقد أشار ابن القصار إلى نحو هذا المعنى، وقال: خسوف القمر يتفق ليلا فيشق الاجتماع له، وربما أدرك الناس نياما، فيثقل عليهم الخروج لها، ولا ينبغي أن يقاس على كسوف الشمس ; لأنه يدرك الناس مستيقظين متصرفين ولا يضر اجتماعهم كالعيدين والجمعة والاستسقاء.
قلت: وصلى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين، ثم قال: إنما صليت لأني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي. رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في “مسنده"، وذكره ابن التين بلفظ: أنه صلى في خسوف القمر، ثم خطب وقال: يا أيها الناس، إني لم أبتدع هذه الصلاة بدعة، وإنما [ ص: 309 ] فعلت كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل. وقد علمنا أنه صلاها في جماعة لقوله: ( خطب ) لأن الفرد لا يخطب.
وروى الدارقطني، عن عروة، عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، ويقرأ في الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بياسين فيه إسحاق بن راشد، وهو من رجال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والأربعة صدوق. وروى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف القمر والشمس ثماني ركعات في أربع سجدات، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة، عن قبيصة الهلالي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=667730 "إذا انكسفت الشمس أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة". وقوله هنا: "فإذا رأيتموهما فصلوا" يعني: آية الشمس والقمر، وفي رواية: "فإذا رأيتموها" يعني: الآية.
هذا الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا، ويأتي في بدء الخلق.
[ ص: 310 ] و ( أبو مسعود ): هو عقبة بن عمرو.
و ( nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس ) هو ابن أبي حازم تابعي، و ( إسماعيل ) هو ابن أبي خالد.
و ( إبراهيم ) ثقة مات سنة ثمان وسبعين ومائة.
وشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( شهاب بن عباد ) ثقة، أخرج له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. ولهم شهاب بن عباد آخر، روى له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في "الأدب" خارج "الصحيح".
و ( الآية ): العلامة، ويحتمل هنا أن المراد: من آياته التي يستدل بها على الوحدانية، والعظمة، والقدرة، أو أنهما من علامات تخويفه وتحذيره وسطوته، قال تعالى: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [الإسراء: 59].